اكتئاب ما بعد التخرج..كيف نتخلّص منه؟

مهما بحثت في قواميس الطب النفسي فلن تجد مصطلح ” اكتئاب ما بعد التخرج “، كونه في الحقيقة ليس مرضًا نفسيًا، و لكن هناك العديد من الأبحاث الواقعية التي بيَّنَت تأثير الاكتئاب على حديثي التخرج، و الذي غالبًا ما يعاني منه الكثير من الشباب بعد تخرجهم مباشرةً، و الذي يحدث أيضًا لأسباب كثيرة، منها : شعورهم بالحزن لانفصالهم عن زملائهم في الكلية و الحياة الجامعية المليئة بذكرياتهم الجميلة و العواقب الصعبة التي قاموا بتخطّيها، أو بسبب استعجالهم في الحصول على وظيفة مرموقة. و لذلك سيتمحور حديثنا حول كل ما يتعلق باكتئاب ما بعد التخرج.

تعريف اكتئاب ما بعد التخرج

هو عبارة عن مجموعة من المشاعر و الأحاسيس السلبية التي تصيب طلاب حديثي التخرج، حيث يصاب الطلاب آنفي الذكر بالفرح العارم كونهم أنهوا سنين دراستهم بعد عناء طويل، و لكن هذا الفرح مؤقت، فما إن ينتهي و تختفي مشاعر الفرح هذه حتى يدخل في دوامة الاكتئاب التي تتمثل بالبؤس و التوتر و العصبية و القلق و الكآبة و عدم وضوح مسار الحياة و غيرها الكثير، و هو ما يسمى باكتئاب ما بعد التخرج ^[1].

أعراض اكتئاب ما بعد التخرج

هناك الكثير من أعراض هذا الاكتئاب و التي تختلف من طالب إلى آخر، و بالرغم من أن جميعها قد يشعر بها الطالب، إلا أن هناك نسبة منهم من يشعرون ببعضًا منها، و منهم من يصل به هذا الاكتئاب إلى أعلى درجاته فتجدهم يدمنون على الكحوليات مثلًا. و أبرز تلك الأعراض هي :

• الامتناع عن مغادرة السرير.
• فقدان الشغف و قلة الدوافع و الحوافز نحو البحث عن الوظيفة.
• الشعور بالخوف و الهلع من أن يجد نفسه ضمن بيئة عمل كبيرة.
• الدخول في حالة من اليأس، و العيش مع المخاوف و الأوهام.
• الشعور بالحزن الشديد و الذي يدفع الطالب إلى الصمت و الابتعاد عن التواصل مع الآخرين.
• فقدان الاهتمام بممارسة الهوايات.
• الدخول في حالة من الضياع و عدم القدرة على مراقبة الأداء و هو من أهم أعراض اكتئاب ما بعد التخرج ^[2].
• القلق من المستقبل و الخوف من قادم الأيام.
• تسارع معدل ضربات القلب، مع ضيق في التنفس.
• نوبات مفاجئة من البكاء.
• صداع شديد.
• التوقعات العالية التي تخيّب آمال الطالب، فعندما يتخرج لا يجد أيًا مما توقعه.
• الإحساس بنقص الدعم من المحيط.
• الإدمان على الكحول أو السجائر.

أسباب اكتئاب ما بعد التخرج

في الحقيقة لا يمكننا حصر أسباب اكتئاب ما بعد التخرج كونها تختلف من طالب إلى آخر، و لكننا سنعرض أشهر تلك الأسباب. ألا و هي :

• تبدّل أسلوب و نمط معيشة الطالب، مع مواجهة صعوبة كبيرة في التأقلم مع نمط الحياة الجديد.
• التحول العقلي للطالب، أي التحول من طالب عاش بين مقاعد الدراسة إلى إنسان راشد بالغ مقبِل على الحياة الواقعية العملية.
• التطُّع و التَّوق إلى الحصول على تلك الوظيفة التي رسمها الطالب بخياله وظيفة الأحلام، فتجده لا ينام ليله للحصول عليه بسرعة كبيرة.
• الاندفاع و الحماس الكبيرين في استكشاف كل المراحل المستقبلية اللاحقة للتخرج دفعة واحدة.
• مجابهة صعوبات عديدة في التواصل مع أصدقاء المرحلة الجامعية، و الذي يكون لدى البعض سبب رئيسي في دخوله بحالة اكتئاب ما بعد التخرج ^[3].
• كثرة الأسئلة التي تنهال على طالب حديث التخرج من عائلته و أصدقائه و أقربائه حول الخطة القادمة لِما بعد التخرج.
• عدم وضوح المجال المطلوب، فهناك نسبة لا بأس بها من طلاب حديثي التخرج مِمّن لا يرغبون بالعمل في نفس المجال الذي درسه.
• غياب أو اضمحلال فرص التدريب و العمل.
• مواقع التواصل الاجتماعي التي تجل طالب حديثي التخرج بمقارنة نفسه مع صديقه الذي تخرج منذ خمس سنين مثلًا، و الذي يملك مهارت كثيرة و منصب مرموق في شركة عالمية.
• المقارنة المستمرة بشكل مبالغ فيه مع الأشخاص الذين حققوا نجاحًا باهرًا.

مواجهة اكتئاب ما بعد التخرج

في الحقيقة أجد أن الإرادة هي الحل الأمثل والأول لكل مشكلة نفسية أو اضطراب نفسي، فعندما يقرر الإنسان أن يكون صاحب إرادة قوية، سيكون قادرًا على مجابهة كل ما يواجهه. و أهم سلوكيات علاج اكتئاب ما بعد التخرج تتجلى بما يلي :

• الاجتهاد و الدأب في تطوير الذات، فكلّما سعى الطالب حديث التخرج إلى تنمية ذاته و مواهبه و تطوير قدراته و صقل شخصيته، كلّما انهالت عليه الفرص من حيث لا يدري.
• تحديد المجال الذي يرغب به الشخص في العمل به، من خلال الجلوس مع نفسه و البحث بين كنوزها عن المجال أو المجالات التي يجد نفسه بها و يرغب بتقديم فائدة لمن حوله.
• تنظيم نمط الحياة، فلا يستسلم للعشوائية و الفوضى التي تحدث ما بعد التخرج، بل يجب تحديد المهام و جميع المسؤوليات و الأولويات مع تخصيص أوقات للترفيه عن النفس.
• التغيير من أهم سلوكيات علاج اكتئاب ما بعد التخرج، و شخصيًا أول خطوة قمتُ باتّخاذها للتخلص من هذا الاكتئاب هي التغيير، يمكن تغيير ديكور غرفة الخريج و إعادة تنظيم طاولته الدراسية و إعادة هيكلة مكتبته.
• تقبّل الرفض الذي حتمًا سيواجهه الخريج الجامعي في مقابلات العمل، ريثما يصل إلى فرصته المناسبة، مع ضرورة العلم أن كل رفض هو بمثابة تحدي له من أجل تنمية قدراته و مهاراته أكثر.
• الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يتم تخصيص ساعة فقط يوميًا أو ساعتين متفرقتين لتفقّد الرسائل الإلكترونية أو تصفّح الأخبار.
• التأني و التمهّل في الوصول إلى القمة، فلن يصل أحد إلى القمة و هو حديث التخرج!
• التوكّل على الله و عدم قضاء الأيام في حالة توتر دائم، بل يجب أن يعيش الإنسان أيامه بلحظاتها و يستغل كل ثانية منها بالخير و تطوير ذاته.

الوقاية من اكتئاب ما بعد التخرج

إن كنت في السنة الأخيرة من مرحلتك الجامعية و تقرأ هذا المقال الآن، فأنت محظوظ حقًا، لأن هذا المقال وقع بين يديك لتقرأ عن الوقاية من اكتئاب ما بعد التخرج، حيث من أبرز و أهم و أشهر طرق الوقاية من هذا الاكتئاب ^[4] هي :

• وضع خطة استراتيجية من أجل تحديد الخطوات المستقبلية العملية بعد انتهاء المرحلة الجامعية الأكاديمية.
• مرحلة ما بعد التخرج هي أكثر مرحلة يمكن أن تحظى بها على الفرص، و ذلك بعد أن تعمل على تطوير ذاتك و تنمية مهاراتك.
• قم بتحديد الأهداف الرئيسية التي تريد أن تبني عليها  مسارك.
• لا تخجل إن عملت في غير مجالك ريثما تحصل على الوظيفة التي تحلم بها.
• شارك في الأعمال التطوعية و الأنشطة الاجتماعية، حيث إن مساعدة ممن حولك تمنحك شعورًا رائعًأ.
• ضع باعتبارك أن ستقاوم البيئة الجديدة بعد التخرج.

نصائح و مهارات ينصح بها كل خريج جامعي

كثيرة هي المهارات التي يمكن للخريج الجامعي أن يتعلَّمها، إلا أننا قمنا باختيار أبرز المهارات التي يجب على كل خريج جامعي أن يقوم بها، والتي من شأنها أيضًا أن تخفف من أعباء أعراض اكتئاب ما بعد التخرج ^[0]   www.skillmeter.com |Essential Skills. ألا وهي كالتالي :

• اتقان مهارات المجال الذي درسه.
• اكتساب مهارات التواصل الفعّال و بناء العلاقات الجيدة.
• الحصول على رخصة قيادة.
• مواكبة التطور في العالم بشكل عام، و سوق العمل في المجال المتخصص به بشكل خاص.
• إعداد الذات مهنيًا و عمليًا و أكاديميًا.
• اكتساب خبرات مختلفة في مجالات مختلفة.
• خلق المبادرة و الفرصة.
• عدم التوقف عن طرح الأسئلة و التعلّم.
• الاستعانة بالخبراء و من هم أكبر سنًا و أكثر خبرةً.

و في ختام مقالنا عن اكتئاب ما بعد التخرج، حريّ بي أن أذكر قول رائد الأعمال الأمريكي ” غاري فيانيرتشوك ” : ” إن الخمس سنوات القادمة من بعد تخرجك هي الفترة التي لن تكون فيها شخص عملي أو في عمل آمن، هذا في الغالب ليس الوقت الذي ستحصل فيه على الوظيفة التي تريدها، و هذا ليس الوقت الذي ستجمع فيه قدرًا كبيرًا من المال لكي تشتري ما تريد، بل هذا هو الوقت الذي يجب أن تستوعب فيه بأن لديك خمس سنوات و قد تختلف من شخص لآخر لكي تحدد الحياة التي تريد عيشها”.

اقرأ أيضاً :

نصائح في تربية الطفل | إليكِ أهمها