كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يصومُ حتى نقول : قد صام، و يفطر، حتى نقول : قد أفطر، و لم تراه عائشة رضي الله عنها إلّا صائمًا من شهرٍ قطّ أكثر من صيامه صلى الله عليه و آله وسلم من شعبان، فما هو الصوم في شعبان و ما هو حكمه، هل هو فرضٌ أم سنَّة، و ما هو فضل شهر شَعبان المبارك، كل هذا و أكثر سنتعرّف إليه عندما نقرأ هذا المقال الذي سيكون غنيًا بهذه المعلومات.
ما هو الصوم في شهر شعبان المبارك
الصوم في شعبان شهر القرّاء يعتبر صوم سنَّة، حيث يستَّحب الإكثار من الصوم فيه، فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها كما ذكرنا بأنّها قالت : ما رأيتُ رسول الله في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان. و فيما يلي قمنا بجمع الفضائل التي وردت في صيام هذا الشهر العظيم :
- من فضائل الصوم في شعبان : تهيئة النفس و تعويدها على صيام شهر رمضان المبارك.
- التقوّي و تدريب النفوس على صوم رمضان، فمن لم يألف الصوم قبل شهر رمضان فقد يصيبه التعب في أول أيام شهر رمضان.
- ترفع أعمال و اجتهادات و طاعات و كل ما فعله الإنسان خلال السَّنة إلى الله جلَّ و علا.
- كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ” ذاك شهرٌ يغفلُ الناس فيه عنه، بين رجب و رمضان، و هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، و أحِبُّ أن يرفع عملي و أنا صائم “.
- الصوم في شعبان مخفي، و يغفل عنه كثير من الناس، لأنه يكون بين الشهر الحرام ” رجب ” و شهر الصيام ” رمضان ” أي بين شهرين عظيمين في فضلهما، و إخفاء النوافل أفضل حتى لا يجد الرياء مَنفذًا ليدخل إلى قلب المؤمن.
- طبيعة النفوس البشرية متأثِّرة بمن حولها من الناس، فالصيام في شعبان يعتبر مشقّة للكثير، و من صام هذا الشهر فهذا يدلّ على الخير الموجود في المؤمن إلى جانب الخير الذي سيكرمه الله به.
- قيل عن شهر شعبان، أنّه شهر القرّاء، لأنّ قراءة القرآن فيه من القُربات العظيمة فيه، من أجل شحذ الهمة على طاعة الله سبحانه و تعالى.
ما حكم الصوم في يوم النّصف من شعبان
اتفقنا على أنّ الصوم في شعبان سنَّة، أمّا ما حكم صيام يوم النّصف من شعبان، فنقول : حدَّثنا الحَسَن بنُ علي الخَلّال، حدَّثنا عبد الرزّاق أنبأنا ابنُ أبي سَبرة عن إبراهيمَ بنُ محمّد عن معاويةَ بنِ عبدِ الله بنِ جعفرٍ عن أبيهِ عن عليّ بنِ أبي طالبٍ، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها، فإنّ الله ينزِلُ فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول أَلا من مستغفرٍ فأغفرِ له، أَلا مسترزقُ فأرزقه، أَلا متلى فأعافيه، أَلا كذا أَلا كذا حتّى يطلع الفجر “. إذًا الصوم يوم النّصف من شعبان صوم مستَّحب و مندوب.
ما حكم الصوم بعد النّصف الثاني من شعبان
الصوم في شعبان في لنصف الثاني منه، ذهب إليه بعض جمهور الفقهاء إلى جواز الصيام، و بعضهم مِمّن خالف ذلك و قالوا بأنّ صوم النصف الثاني من شعبان مكروه، لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم : ” إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا حتى يكون رمضان “، و ذلك بسبب أن تذهب قوة العبد عن صيام شهر رمضان المبارك، إلّا أنه من الجدير بالذكر بأنّه يجوز صيام النصف الثاني من شعبان في حال كان هناك عادة للمسلم بصيام كل اثنين و خميس من كل شهر، و الله تعالى أعلم.
ما حكم صيام الثلاثين من شهر شعبان
ذكرنا ما حكم الصوم في شعبان، و لكن ما هو يوم الثلاثين من شهر شعبان، و ما هو حكم صيامه، حيث يسمّى هذا اليوم بيوم الشكّ [1]. و فيما يلي أقوال العلماء حسب المذاهب في جواز صيامه :
- المذهب الحنفي : ذهب الحنفية لكراهة صوم يوم الثلاثين من شعبان، إلّا في حال جزم صومه من غير تردد بين صوم اليوم و صومٍ آخر، أي كأن يشك بأنّه رمضان، فإذا كان يوم الثلاثين هو أول يوم في رمضان، كان ما تم صومه أجزأ عنه، فيكره صيام آخر يومين من شعبان.
- المذهب الشافعي : حَرَّم المذهب الشافعي صيام يوم الثلاثين من شعبان، إلّا في حال قضاء فرض، أو نَذْر، أو صوم اثنين و خميس كما سبق و ذكرنا، أو اعتياد المسلم على الصوم.
- المذهب المالكي : في حال كان المسلم معتادًا على أيام الصوم، فصادف يوم الشك يوم الاثنين أو الخميس فيجوز الصوم، أو أن يصوم المسلم أيامه من رمضان فائت أي فرض و دين في رقبته، أو إذا كان في صيامه نَذْر، أو كفّارة يمين.
- المذهب الحنبلي : يكره المذهب الحنبلي صيام يوم الشكّ، إلّا إذا وافق يوم كان قد اعتاد المسلم على صيامه، مثل اثنين و خميس، أو صيام يوم و إفطار يوم، أو الوفاء بنَذْر، أو صيام كفّارة.
ما هو الحَدَث المهم في شهر شعبان
وجدنا أنّ الصوم في شعبان سنّة مستحبّة و طاعة فضيلة، و لكن ما هو الحدث الذي أكسَبَ شهر شعبان هذا الفضل العظيم، إنه حدث ” تحويل القبلة “، حيث بقي النبي الكريم محمد صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي باتجاه البيت المقدس لمدة ستّة عشر شهرًا، كما أمر الله سبحانه و تعالى، و لكنّه صلى الله عليه و آله و سلم يرغب بداخله بأن يصلّي نحو الكعبة المشرَّفة، قبلة أبينا إبراهيم عليه السلام، فعندما هاجر صلى الله عليه و آله و سلم إلى المدينة المنورة بقي يترقَّب لحظة أن يأمر الله باستقبال الكعبة في الصلاة، فجاءه الوحي بقول الله تعالى : ” قَدْ نَرى تَقَلّبَ وجهكَ في السَّماء فَلنولينَّك قِبلةً تَرضاها فَولِّ وجهكَ شَطرَ المسجدِ الحرامِ و حيثُ ما كنتمْ فَولُّوا وجوهكمْ شَطرَه “. فقيل تحولّت القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة في شهر شعبان و الله و تعالى أعلم.
لماذا سمي شهر شعبان بهذا الاسم
بعد أن تحدّثنا عن الصوم في شعبان و تشعَّبنا في الكلام عنه، و لكن هل تبادر إلى ذهنك لماذا سمي شهر شعبان بهذا الاسم، و ها نحن بصدد الإجابة عن هذا السؤال : سمي شهر شعبان بهذا الاسم من الاجتماع و الشَّعب، و ذلك لأنه يجتمع فيه الكثير من الخيرات كما تجتمع الخيرات في شهر رمضان المبارك، و قيل لأنّ كانوا العرب يتشعَّبون في أيامه بالأرض من أجل الماء، و قيل أيضًا لأنه شَعبَ بين شهري رجب و رمضان، و قيل لأنّ تكون فيه العرب ممتنعة عن الحرب و القتال، كونه من الأشهر الحُرم.
فضل شهر شعبان
- أحبّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شهر شعبان العظيم شهر القرّاء، و فضَّله على غيره من الأشهر، فأكثر صيامه.
- ففيه ترفع الأعمال إلى الله سبحانه و تعالى، من أجل أن يزرع في قلب المؤمنين الحياء من ربهم، فمن أدرك حقًا بأنّ أعماله سترفع إلى ربه فيجب عليه أن يكون على طاعة.
- الصوم في شعبان و شهر شعبان نفسه فرصة عظيمة من أجل التوبة إلى الله و طلب مغفرته و رحمته.
- نزع الحقد و الغلّ بين القلوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” يطّلِع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلّا لمشركٍ أو مشاحن “، فالشحناء عداوة، و يجب أن يصفح البشر عن بعضهم حتى ينالوا مغفرة ربهم في هذا الشهر الفضيل.
- هو تدريب للمؤمن و نفسه على شهر رمضان، فهو فرصة عظيمة جدًا للدخول تدريجيًا في أجواء روحانية مع القرآن قبل أن يبلغ رمضان.
- استشعار القرب من رب الكون، بقيام الليل و الإكثار من الأعمال الصالحة و الطاعات.
و في ختام هذا المقال الذي انتشت روحنا بقراءته، لا تضيّع نفحات هذا الشهر المبارك، فأكثر من قراءة القرآن و الطاعات و لا تستصغر الخير فيه البتّة.
اقرأ أيضًا :
لماذا سمي الاظهار الشفوي بهذا الاسم وما هو تعريفه
المراجع
- ↑ يوم الشك | ar.wikipedia.org