أعطى الله تعالى سيدنا سليمان عليه السلام ملكًا عظيمًا ممتزجًا بالقيادة الدنيوية، و خلافًا لغيره من الملوك الصالحين و الأنبياء الكِرام، اجتمع في ملكه معجزات عجيبة و خارقة للعادة، فما هي قصة النبي سليمان و من هو، و ما هي السُنن و الخوارق في قصته ؟ تابع معنا هذا المقال و لا تفوّت قراءته لترى ما حظي هذا النبي من عطاء رباني عظيم و خارق للسنن.
سليمان عليه السلام
هو سليمان بن داوود بن أيشا بن عوبيد بن عابر بن سلمون بن نخشون بن عيمناداب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الربيع.
مات النبي داوود عليه السلام و كان عمر ابنه سليمان اثنا عشر عامًا، و حسب ما ورد في سفر الملوك الأول و سفر أخبار الأيام الأول هو من ملوك مملكة إسرائيل الموحدة قبل انقسامها إلى مملكة إسرائيل الشمالية، و بحسب التراث اليهودي يعتقد بأنّ النبي سليمان هو أول من بنى الهيكل ( بيت المقدس )، حيث عاش اثنين و خمسين عامًا، أربعين عامًا من عمره قضاها في حكم الجنّ و الإنس و سائر المخلوقات، حيث تولّى الحكم و هو في عمر اثني عشر عامًا.
قصة النبي سليمان و داوود عليهما السلام في الحرث
أنعمَ الله تعالى على النبي سليمان عليه السلام بالذكاء و سرعة البديهة و الفِطنة، فأيَّدهُ الله تبارك و تعالى بالقضاء بين الناس و الحكم الصحيح، حيث عندما نفشت غنم الراعي ضمن الحرث حكم في هذا الأمر كما حكم فيه سيدنا داوود عليه السلام، قال الله تعالى في سورة الأنبياء : ” و داوودَ و سليمانَ إذ يحكمانِ في الحرثِ إذ نَفَشت فيه غَنَمُ القومِ و كنّا لِحكمِهِم شاهدين* فَفَهَّمناها سليمانَ و كٌلًّا آتينا حكمًا و عِلمًا و سخَّرنا مع داوودَ الجبالَ يسبّحنَ و الطيرَ و كنّا فاعلينَ “ [1].
و القصة هي : كان هناك رجلات أتيا إلى سيدنا داوود -عليه السلام-، أحد الرجلين كان صاحب غنم و الآخر صاحب حرث، فقال صاحب الحرث : ” إنّ هذا له أغنام قد فلتت في أرضي فأفسدت ما فيها “، فحكم له سيدنا داوود عليه السلام بغنم صاحبه، و خرج هذان الرجلان من عند داوود -عليه السلام- و ذهبا إلى سليمان -عليه السلام- و الذي كان يبلغ من العمر إحدى عشر عامًا فقط! حيث علمَ بالقصة و قال : ” لو كان الحكم لي لحكمتُ بغير ذلك “، حيث كان حكمه أن يأخذ صاحب الحرث الأغنام لينتفع بها و تعود أرضه كما كانت، و من ثم يرجِع بالأغنام لصاحبها، و في هذا الحكم قضى سيدنا داوود و ذلك كونه حكمًا لا يضرّ بكلا الطرفين.
قصة النبي سليمان عليه السلام في تولّيه الملك
تولّى سيدنا سليمان -عليه السلام- بعد وفاة أبيه سيدنا داوود الحكم على بني إسرائيل، و كان له من العمر حينئذ اثنا عشر عامًا فقط! أعطاه الله تعالى النبوّة و الملك معًا، و قد دعا ربه أن يؤتيه ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، و فعلًا استجاب الله تعالى له و لدعاءه فسخَّرَ له الطّير، و الإنسّ، و الجِنّ، و الرّيح و الشياطين، فكان عندما يخرجُ من بيته ذاهبًا إلى مجلسه تقبِل عليه الطّير و يقوم الإنسُّ و الجِنَّ ليُجلسوه.
كما ورث سيدنا سليمان -عليه السلام- من أبيه داوود الملك و العلم، قال الله تعالى في سورة النمل : ” وَ ورِثَ سليمانُ داوودَ “، و هذه الورثة كانت لسليمان دونًا عن إخوته، و الذين قال فيهم الكلبي و قتادة أنّ أبناء داوود تسعة عشر ولدًا، و تخصيص سليمان بهذه الورثة ( هي ورثة ليست بالمال ).
قصة النبي سليمان عليه السلام مع الملكة بلقيس و طائر الهدهد
كان طائر الهدهد من الطيور التي سخّرها الله تعالى لسيدنا سليمان، حيث كان يستخدمها في عمليات التحرّي و البحث عن الماء و الإتيان بأخبار الشعوب و الأمم، ليأتي يوم من الأيام و يسأل النبي سليمان عن طائر الهدهد فلم يجده، و لم يطلب حتى طائر الهدهد الإذن من ملكه بالغياب! الأمر الذي دفع بنبينا سليمان للتوعّد للهدهد بالقتل أو العذاب بسبب عدم وجود عذر له بالغياب.
طائر الهدهد وملكة سبأ
غاب طائر الهدهد فترة من الزمن، و عند عودته إلى ملكه سليمان سأله عليه السلام عن سبب غيابه الفترة الماضية، فأخبره الهدهد بأنّه قد رأى أهل سبأ و ملكة سبأ بلقيس ذات الملك و الحكم العظيم يعبدون الشمس و يسجدون لها و هم مقتنعون بفعلتهم هذه و عبادتهم.
و لمّا سمع سليمان بهذا الخبر أراد أن يتأكّد بنفسه من هذا الخبر و ليعود في قراره عن عذاب الهدهد، فكتب كتابًا عن الأمر بعبادة الله تعالى وحده، و أعطاه لطائر الهدهد من أجل أن يقوم بإيصال هذا الكتاب لأهل سبأ و يقوم بمراقبتهم و مراقبة ما يفعلون به، فحصل الطائر على نافذة من قصر الملكة بلقيس تدخل إليها الشمس حتى تعبدها الملكة، و ألقى الطائر بكتاب النبي سليمان في هذه النافذة، و رأتْ الملكة الكتاب فقامت بجمع قومها ليستشيروا في الأمر، فقالوا لملكتهم بأنّهم قوم ذو بأس و قوة شديدة، ثم فوّضوا الأمر إليها، فاقترحتْ أن تقوم بإرسال هدية إلى النبي سليمان درءًا لحصول الحرب.
فلّما وصلتْ هديتها إلى النبي سليمان، قام بتهديدها بإرسال جيوشه، فقررتْ أن تذهب إليه و لا تذعن لأمره.
النبي سليمان وعرش بلقيس
عندما علمَ النبي سليمان -عليه السلام- بأمر الملكة بلقيس قام بجمع حاشيته و طلب منهم أن يقوم بإحضار عرشها له، فأخبر عفريت من الجن النبي سليمان بأنّه يقدر على الإتيان بعرشها قبل أن يقوم من مقامه -عليه السلام- إضافة إلى اقتراح عالم من علماء قومه بأنْ يأتي إليه بعرش الملكة قبل أن يرتدّ إليه طرفه، فحمد سليمان ربه و أحضرَ العرش، حيث أمرَ حاشيته أن يغيّروا في العرش قليلًا، فلّما أتتْ الملكة بلقيس و رأتْ عرشها، قالت : ” كأنَّهُ هوَ “، و اندهشتْ اندهاشًا عظيمًا من قصر النبي سليمان، حيث ظنّتْ أنْ أرض قصره نهرًا، فلّما أرادتْ دخوله كشفت عن ساقيها، و لكن لمّا رأتْ تلك المعجزات علمتْ أنّ هناك ربّ واحد، و قالت : ” رَبِّ إنّي ظلمتُ نفسي و أسلمتُ مع سليمانَ لله ربِّ العالمين “.
قصة النبي سليمان عليه السلام مع النملة
رأتْ النملة النبي سليمان -عليه السلام- و جنوده، فخافت على بقية النمل أن يقوم جنوده عليه السلام بدهسها، فصاحتْ تقوم بتنبيه النمل أن يدخلوا البيوت، فسمع النبي سليمان كلامها و تبسَّم ضاحكًا من قولها، حيث ذكرت أيضًا تلك النملة بأنّ النبي سليمان و جنوده لا يتعمدوا إيذائنا و لكنهم لن يشعروا بدهسنا، قال الله تعالى في سورة النمل : ” حتَّى إذا أتَوا على وادِ النَّملِ قالتْ نملةٌ يا أيَّها النملُ ادخلوا مساكِنَكُم لا يَحْطمنَّكُم سليمانُ و جَنودُهُ و هُم لا يَشعرونَ “، فشكر نبي الله سليمان ربه على ما أنعمَ عليه، قال الله تعالى في سورة النمل : ” فَتَبَسَّمَ ضاحكًا من قولِها و قالَ ربِّ أوزِعني أنْ أشكرَ نعمتَكَ التي أنعمتَ عليَّ و على والديَّ و أنْ أعملَ صالحًا ترضاهُ و أدخِلني برحمتكَ في عبادكَ الصالحينَ “ [2].
السُّنَن و الخوارق في مُلكِ النبي سليمان عليه السلام
بعد أن تعرَّفنا على قصة النبي سليمان عليه السلام، سنذكر معجزاته عليه السلام التي امتازتْ بمرافقتها له طوال حياته.
1- تسخير الرّيح
كانت الرّيح تسير بأمره عليه السلام و تتوجه كيف يأمرها، و هذا بإذن من الله تعالى، فكان يأمر السّحاب حتى تمطر، قال الله تعالى : ” و لسليمانَ الرّيح عاصفةً تجري بأمرهِ إلى الأرضِ التي باركنا فيها و كنّا بكلّ شيءٍ عالمينَ “.
2- تسخير الجِنّ
كان الجنّ يعمل بين يدي النبي سليمان، فكانت تأخذ الأمر منه بما ينفعهم و ينفع مملكتهم و يدير من شؤونهم، فأقاموا دور العبادة و المحاريب، فأبدعوا في فنّ العمارة و صنع الأواني و أحواض الماء و القدور الراسيّات و هي الصوامع الثابتة، و هناك من الجِنّ من أمرهم النبي سليمان بالغوص في البحار من أجل أن استخراج اللؤلؤ و المرجان، فكان عليه السلام يستفيد مِمّا وهبَ الله تعالى به الجن من السرعات العالية و القدرات الخارقة، قال الله تعالى : ” و مِنَ الجِنّ مَن يعملُ بين يَدَيه بإذنِ ربّهِ و مَن يَزِغ مِنهم عن أمرِنا نُذِقهُ من عذابِ السَّعير “.
3- إسالة النحاس
استخدم النبي سليمان النحاس في صناعة السلاح و غيرها من الصناعات الأخرى، فكان الحديد يسيل بين أيدي الجِنّ ليقوموا بتشكيله و من ثم يجمدْ على هيئته، قال الله تعالى : ” و أسَلنا لهُ عينَ القِطْرِ “.
4- فهم كلام غير الإنسان
كان النبي سليمان عليه السلام يفهم كلام الحيوانات و الحشرات و النباتات و الجمادات و الطيور.
وفاة النبي سليمان عليه السلام
توفّى النبي سليمان -عليه السلام- عن عمر يناهز اثنين و خمسين عامًا و ذلك في سنة خمسمئة و خمس و سبعين من بعد وفاة النبي موسى -عليه السلام- حيث كانت قصة وفاة النبي سليمان عجيبة، و التي أوردها الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز : ” فَلَمَّا قَضينا عليهِ الموتَ ما دَلَّهُم على موتهِ إلّا دابّةُ الأرضِ تأكلُ مِنسَأتِهِ فَلمّا خَرَّ تبيَّنتْ الجِنُّ أنْ لو كانوا يعلمونَ الغيبَ ما لَبِثوا في العذابِ المُهين “. المِنسأة : العصاة
حكمة الله من موت النبي سليمان عليه السلام
حيث روي عن أنّ النبي سليمان كان يختلي بنفسه يتعبّد في المحراب أيامًا و شهورًا، حيث اختلى بنفسه بعد أن فرغ من بناء بيت المقدس، فاتكىء على عصاه، و هنا أدركه الموت و ظلَّت عصاه ثابته تحفظ جسمه أن يبقى متوازنًا حتى لا يسقط على الأرض.
بقي عليه السلام على هذه الحالة سنة كاملة، إلى أنْ أرسلَ الله تعالى دودة من الأرض لتبدأ بأكلِ العصا فوقع النبي على الأرض، و علموا الجن بأنّه فارق الحياة منذ وقت، و في روايات أخرى، تذكر أنّ العصا اتكأ عليها أيامًا و ليس سنة كاملة، و لا يمكننا أن نؤكّد المدة التي بقيت عليها العصا، و لكن مات النبي سليمان على هذه الهيئة.
في هذه الموت حكمة من الله تعالى و ذلك لأنّ الجنّ ادّعوا بأنّهم قادرون على معرفة الغيب متفاخرون بذلك أمّام الإنسّ، و لكن وفاة النبي سليمان بهذه الحال أثبتت للجِن و الإنس جميعًا بأنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله وحده، فلو كانوا يعلمون بالغيب لعلِموا بوفاة نبيهم عندما حدثت!!
ثم إلى هنا وصلتُ و إياكم إلى ختام مقالنا الذي تعرّفنا فيه على قصة النبي سليمان و معجزاته التي وهبه الله تعالى إياها و التي رافقته طوال حياته، كما تعرّفنا أيضًا على قصة وفاته عليه السلام التي كانت عبرة للإنس و الجِنّ بأنّ الغيب لا يعلمه سوى الله تعالى.
اقرأ أيضًا :
قصة النبي صالح بشكل سهل وبسيط للأطفال
تعرَّف معنا على قصة النبي يحيى بشكل كامل
تعرّف إلى قصة النبي لوط بشكل سلس و مبسّط
قصة النبي إدريس بشكل مختصر وشيّق
المراجع
- ↑ www.quran.com | Al-Anbiya
- ↑ www.tokopedia.com | Surah An-Naml