اقتداءً بنبينا الكريم محمد صلى الله عليه و آله و سلم يلجأ المسلمون دائمًا في كل أمور حياتهم المصيرية إلى صلاة الاستخارة، مثل : الزواج أو السفر أو وظيفة جديدة، فهناك حديث نبوي شريف عن جابر بن عبد الله بأنّه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلّمنا السورة من القرآن “. فالمسلم يستخير الله تعالى بالتوكّل عليه و الرضا بقضائه، و هي زرق و نعمة من الله تعالى لعباده المسلمين و تعويضًا عن الاستقسام بالأزلام و التطيُّر الذي كان منتشرًا في الجاهلية. لِذا لا تفوّت هذا الكنز بقراءة هذا المقال و تعلّم كيفية صلاة الاستخارة.
تعريف صلاة الاستخارة
قبل أن نبدأ بتعلّم كيفية صلاة الاستخارة، ينبغي أن نعرف ما هي صلاة الاستخارة و ما هي أهميتها و حكمها و شروطها [1].
- فالاستخارة لغةً : طلبُ الخِيرةِ في الشيء.
- و صلاة الاستخارة هي طلبُ الخِيرةِ من الله تعالى رب الكون.
فعندما يحتار المسلم بين أمرين فلا يدري أيهما الخير، فيصلّي صلاة الاستخارة و يطلب من الله الخير و التوفيق و السداد إلى الخير، فيختار أحد الأمرين، فإن تيسرّت أموره فهذا هو الخير و إن تعرقَلَتْ أموره و تعسَّرَتْ و لم يحدث هذا الأمر فهذا هو الخير أيضًا، و هي عبادة شرّعها الله في دين الإسلام، و لا يوجد وقتًا مخصصًا لها.
أهمية صلاة الاستخارة
استكمالًا لمعرفة كيفية صلاة الاستخارة، نذكر ما هي أهميتها، حيث تكمن في ما يلي :
- صلاة الاستخارة تنفي تعلّق قلب المسلم بغير الله تعالى، و التوكّل عليه و اللجوء له وحده، و تفويض أمره إليه.
- تعزيز توحيد الله في قلب المسلم، فيأخذ بالأسباب و يتوكّل على الله وحده فيتعلّق قلبه بربِّ الأسباب لا بالأسباب نفسها.
- يتعلّم المسلم أن يصدق في يقينه بالله و الرضا بقضاء، فيرد هذا اليقين الهمَّ و الكرب و الحزن.
و لأنّ المسلم يتعرّض للكثير من الأمور الغيبية التي لا يعرف مصيرها، و يقدم دائمًا على أمور و مواقف مجهولة النتائج و العواقب، فلا يدري أين يكمن الخير و الشر، أيقدِم على هذا السََفر مثلًا أم لا، و لهذا من رحمة الله تعالى بعباده الضعفاء شرّع صلاة الاستخارة لتريح قلب المسلم من التردد و التفكير في أمور لا يدري ماذا يكمن بداخلها، و حلًا لمشكلته، حتى يتحوّل التردد إلى ثباتٍ و يقين، فيغدو هادئ البال مطمئن النفس، فهي عبادة حرص النبي الكريم محمد صلى الله عليه و آله و سلم بتعليمها لأصحابه الكِرام، فإذا همَّ أمرٌ بأحد الصحابة لجأ إلى استخارة الله تعالى و طلب الخيرة منه جل جلاله.
كيفية صلاة الاستخارة
يأتي السؤال الآن بعد أن عرّفنا ما هي صلاة الاستخارة : ” كيفية صلاة الاستخارة “. حيث قمنا بتقسيم ذلك إلى خطوات تسهّل على المسلم القيام بها و فهمها :
- صلاة الاستخارة هي ركعتان نافلة غير الفريضة، يدعو في هاتين الركعتين المسلم المستخير الله دعاء الاستخارة.
- حيث ورد دعاء الاستخارة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : ” اللهم إنّي أستخيركَ بِعلمِكَ، و أستقدركَ بقدرتك، و أسألك من فضلكَ العظيم، فإنّك تقدرُ و لا أقدر، و تعلمُ و لا أعلمُ، و أنت علَّامُ الغيوب، اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني و مَعاشي و عاقبةَ أمري_ أو قال : في عاجل أمري و آجله_فاقدرهُ لي، و إن كنت تعلمُ أنّ هذا الأمر شرٌ لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري_ أو قال : في عاجل أمري و آجله_ فاصرفهُ عني و اصرفني عنْه، و اقدُرْ لي الخيرَ حيث كان، ثم رَضِّني به، و يسمّي حاجته “.
أمّا بالنسبة لموطن قراءة دعاء الاستخارة، فاختلف العلماء به. نبيّن الآراء كما يلي :
- ذهب الفقهاء إلى أنّ قراءة دعاء الاستخارة بعد التسليم من الصلاة أفضل.
- و لكن لا بأس إن قرأه المسلم قبل السّلام.
- في حين جاء الإمام ابن تيمية ليرجّح بأنّ دعاء الاستخارة قبل السّلام أفضل من بعد السّلام.
- فيستحب للمسلم أن يبدأ دعاء الاستخارة بحمد الله تعالى و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يختمه كذلك أيضًا.
كيفية صلاة الاستخارة
يستقبل المسلم القبلة، ثم يرفع يديه مراعيًا لآداب الدعاء، يقرأ في الركعتين ما شاء، و لكن هناك ثلاثة آراء في السور التي يجب قراءتها في الصلاة :
1- المذهب الحنفي و الشافعي و المالكي
- استحباب قراءة المسلم في الركعة الأولى لسورة الكافرون بعد قراءة الفاتحة.
- ثم في الركعة الثانية قراءة سورة الإخلاص بعد قراءة سورة الفاتحة.
2- المذهب الحنبلي وبعض الفقهاء
- عدم تحديد أي سور قرآنية.
3- بعض السَّلف الصّالح
بعض السَّلف الصَّالح استحسن قراءة الآيات وفق ما يلي :
- في الركعة الأولى بعد قراءة فاتحة الكتاب، يقرأ الآية الكريمة : ” و ربك يخلقُ ما يَشاء و يختارُ ما كان لهم الخِيرةُ سبحان الله و تعالى عمّا يشرِكون* و ربك يعلمُ ما تُكِنُّ صدورُهُم و ما يعلِنون* و هو الله لا إله إلا هو له الحمدُ في الأولى و الآخرة و له الحُكمُ و إليه ترجعون “.
- أمّا في الركعة الثانية فيقرأ بعد قراءة سورة الفاتحة : ” و كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرًا أن يكونَ لهم الخيرةُ من أمرهم و مَنْ يعصٍ الله و رسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبينًا “.
أمّا حسب فيما يتعلّق بكيفية صلاة الاستخارة، أتصلّى بشكل مستقل أم مع صلواتٍ أخرى، فهذا له أقوال عديدة للعلماء. و هي على النحو التالي :
- اتّفق العلماء على أنّ صلاة الاستخارة لا تجوز مع الصلاة المكتوبة، و الدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم : ” فَليَركَعْ رَكعَتين من غيرِ الفريضة “.
- و صلاة الاستخارة بشكل مستقل أفضل صلاتها مع صلواتٍ أخرى، و هذا ما اتَّفق عليه العلماء و هو أفضل.
حكم صلاة الاستخارة
اتّفق العلماء على أنّ صلاة الاستخارة هي سنّة عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، يثاب فاعلها و لكن لا يأثم تاركها، أمّا دليل مشروعية صلاة الاستخارة هو ما رواه البخاري في صحيحه، حيث روي عن جابر و عن سعد بن أبي وقاص، أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : ” من سعادة ابن آدم استخارة الله، و من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، و من شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، و من شقوة ابن آدم سخطه بِما قضى الله “. حديث صحيح
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا اليوم، و على المسلم أن يستخير الله في جميع أمور حياته أسلَم لقلبه من القلق و الهمَ و الحزن، و اقتداءً بسنة خاتم الأنبياء و المرسلين محمد و توكلًا على الله، فما خاب من استخار و لا ندم من استشار.
اقرأ أيضًا :
المراجع
- ↑ صلاة الاستخارة | www.ar.wikipedia.org