تفسير سورة الفلق و ما هو سبب نزولها

تفسير سورة الفلق و ما هو سبب نزولها

خير ما نبدأ به مقالنا اليوم : ” اجعل القرآن زَادَ طريقك، و صاحب سَفرَك، و خليلُ خلوتك، و رفيق جلوتك، و عِش به و له “، هذا كله إن قرأتَ القرآن و اتخذتهُ صديقًا لك، فكيف إنْ قمتَ بتدبّر آياته و البحث في تفسيرها من أجل فهم ما جاء به الله تعالى و العمل به. و في هذا المقال سنتعرّف سويًا على تفسير سورة الفلق.

سورة الفلق

سورة الفلق

قبل أن نبدأ بتفسير سورة الفلق، نذكر بعض المعلّومات التي يجب على كل مسلم معرفتها، فسورة الفلق سورة مكيّة ترتيبها في المصحف الشريف 113 و عدد آياتها 5، يطلق عليها مع سورة النَّاس اسم ” المعوذتين ” ، ونزلتْ بعد سورة الفيل، حيث تتحدّث هذه السورة الكريمة عن أمر الله سبحانه و تعالى لنبيّه الكريم محمد صلى الله عليه و آله و سلم بأنْ يتعوّذ بربه من شرّ المخلوقات الشريرة و التي يتّقى شرها، و الاستعاذة من الأوقات التي قد يكثر فيها ظهور الشرّ و حدوثه، إضافة إلى الاستعاذة من الأحوال التي تظهر الخير و تضمر الشر، فعلّم الله تبارك و تعالى نبيّه هذه المعوذة من أجل أن يتعوّذ بها، فاشتملت هذه السورة بـ ” الأمر بالاستعاذة من الشرور “، و من ظلمات الليل، و من شرّ كل الساحرات اللواتي يقمنَ بالنَّفخِ في العقَد، و من شر كل حاسد. كما وردتْ الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في فضل سورة الفلق [1].

آياتها

  1. نبدأ بالبسملة : بسم الله الرحمن الرحيم.
  2. قل أعوذُ بربِّ الفَلَق.
  3. مِن شرِّ ما خَلَق.
  4. و مِن شرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ.
  5. و من شرِّ النَّفَّاثاتِ في العُقَد.
  6. و من شرِّ حاسدٍ إذا حَسَد.
  7. نختم : صدق الله العظيم.

سبب نزول سورة الفلق

في تتمة الحديث عن سورة الفلق و قبل البدء بتفسير سورة الفلق، نتحدّث عن سبب نزول هذه السورة العظيمة من سور القرآن الكريم، حيث ذكر مفسّرو القرآن الكريم بأنّ المعوذتين نزلتا لأنّ لبيد بن الأعصم، قام بِسَحِر النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و على الرغم من أنّ هذه القصة وردت في صحيح البخاري و صحيح مسلم و لكن الربط بينهما لم يَرد في كتب الصحابة الستّة، و قيل أيضًا إنّ سبب نزول المعوذتين هو أنّ قريشًا قام بندب من اشتهر بينهم، أن يصيب النبي الكريم بعينه ( الحسد )، فنزلتْ المعوذتان من أجل أن يتعوّذ بهما النبي الكريم من قريش، و لكن السبب الأول للنزول هو الأشهر [2].

أسباب أخرى قيلتْ في نزول المعوذتين

ورد أيضًا في أسباب نزول المعوذتين في كتاب جلال الدين السيوطي ” باب النقول في أسباب النزول “، و أخرجه في دلائل النبّوة البيهقي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، قال : مرض النبي صلى الله عليه و آله و سلم مرضًا قويًا، فأتَاَه مَلَكان، فقعد أحد هذين المَلَكَين عند رأسه عليه السلام و المَلَك الآخر عند رجليه، فقال المَلَك الذي عند رجليه عليه الصلاة و السلام للذي عند رأسه : ما ترى ؟ قال : طُبَّ، قال : و ما طُبَّ؟ فقال : سحرَ، قال : و مَن سَحره ؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي، قال : أين هو؟ قال : في بئر آل فلانٍ تحت صخرة في ركيّة، فأتَوا الرَّكيّة، فانزحوا ماءها، و ارفعوا الصخرة، ثم خذوا الكدْية و أحرقوها، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشر عقدة، و أنزلت عليه المعوذتين، فجعل في كلّ آية يتلوها عقدة تَنّحَل.

تفسير سورة الفلق

تفسير سورة الفلق

بعد أن تعرّفنا سويًا على سبب نزول المعوذتين و بعض المعلّومات المهمة حول سورة الفلق، نبدأ بتفسيرها وفق كل آية على حِدا :

الآية الأولى

نبدأ بتفسير سورة الفلق، حيث قال الله تبارك و تعالى في الآية الكريمة الأولى من سورة الفلق : ” قل أعوذُ بِرَبِّ الفَلَق “، و تفسيرها أي قل أحَتَمي و ألتجئ بربِّ الفَلَق، و الاستعاذة به تبارك و تعالى نوعًا من الدعاء، فهو المالك و المُصلِح و الرّب الذي يأمُر فيلبّى و يطاع، و الفَلَق يعني فصل الأشياء عن بعضها البعض، و فَلَقَ و فَطَرَ و خَلَقَ كلّها تحمل معنىً واحدًا، و الَخلق يعني وجود الشيء من اللاشيء أي من العَدَم، و فالِق يعني فاطِر و خالق، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام : ” فالقُ الإصباحٍ و جَعلَ الليلِ سَكَنًا “. فالفلق يعني جميع ما خلق الله تعالى و ربّ الفَلق يعني ربّ العالمين.

الآية الثانية

في الآية الثانية من سورة الفلق قال الله تعالى : ” مِن شَرِّ ما خَلَق “، و يقصد بهذه الآية الاستعاذة بالله تعالى من شرور المخلوقات التي تملك الشرّ، و يدل أيضًا على قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ” أعوذ بك من شرِّ كلِّ دابةٍ أنتَ آخذٌ بناصيتها “، فالمقصود هو الاستعاذة من شرور المخلوقات التي فيها شر، فتشمل هذه الآية أيضًا الاستعاذة من شرور ظلمة الليل و من شرّ الحاسدين الذين ذكروا في الآيات التي تلي الآية الثانية، فأرادَ الله تبارك و تعالى أن يخصِّص هذين النوعين بالذكر، لأنهما يكونان بالخفاء، فهذين شَرَّين يأتيان الإنسان دون أن يعلم أي بَغتةً، و في اللغة العربية عطف الخاص على العام، يعني الاعتناء على وجه الخصوص بالخاص المذكور.

الآية الثالثة

من تفسير سورة الفلق الآية الثالثة، قال الله تبارك و تعالى : ” و مِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وَقَبَ “، و الغَسَق يعني ظلمة الليل، و منه قوله تعالى في سورة الإسراء : ” أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إلى غَسَقِ الليل “، و قوله تعالى : ” وَقَبَ ” أي دَخَلَ، فقد أشار النبي الكريم صلى الله عليه و آله و سلم إلى القمر و كانت معه السيدة عائشة رضي الله تعالى، فقال لها : ” استعيذي بالله من شرِّ هذا فإنّ هذا هو الغاسِقُ إذا وَقَبَ “، و قيل لأنّ ظهور القمر دليلًا على دخول الليل، و ذكرت كلمة الغاسق في الآية ” نَكِرَة ” للتبغيض، أي ليس شرًّا في كلّ الأوقات، إنّما بعضها، و إلّا لأنّ الأصل في الليل و القمر نعمة من الله تعالى يمنّها على عباده.

الآية الرابعة

في الآية الرابعة من سورة الفلق قال الله تعالى : ” و مِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ في العُقَدِ “، و النَّفث هو أكثر و أقوى من النَّفخ، فالتفلُ يكون مع الرّيق، أمّا النَّفث فيكون بلا ريق، و أحيانًا يكون مع شيء قليل من الرِّيق، و هذا يختلف عن النَّفِخ، و النَّفِث يكون من الأنّفس الخيّرة و الشريرة، و كمثال عن الأنّفس الخيّرة هو ما روته السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها : ” بأنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا اشتكى نَفَثَ على نفسه بالمعوذات، و مَسَحَ عنه بيده “، أمّا كمثال عن الأنّفس الشريرة الخبيثة أنّ الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كان يتعوّذ بالله من شرِّ الشيطان، و من همزه و نفخه و نَفَثه، فخلاصة تفسير الآية الكريمة من سورة الفلق هو أنّ النَّفَّاثاتِ في العقد يراد و يقصد بها نَفَثَ الأرواح الشريرة الخبيثة من الإنسِ و الجِنّ، و ليس نَفَث الساحرات فقط.

الآية الخامسة

في تفسير الآية الخامسة و الأخيرة من سورة الفلق، قال الله تعالى : ” و مِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَد “، و يراد بالحَسَد تمنّي زوال النعمة عن الآخرين، فطبيعة الإنسان حبّ الترفّع عن مثل جنسه، و هذا حرام، أو يراد بالحسد الغِبطَة، أي تمنّي نعمة الآخرين دون زوالها، و الغِبطَة في أمور الدنيا مباحة، و في أمور الطاعات و العبادات مستحبّة، و فيها قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : ” لا حَسَد إلّا في اثنتين : رجلٌ آتاه الله مالًا، فَسلَّطهُ على هَلَكته في الحقّ، و آخر آتاهُ الله حكمةً، فهو يقضي بها و يعلّمها “، و نلاحظ أنّ كلمة حاسد وردتْ نكرة في الآية الكريمة، و هذا يعني بأنّ ليس كلّ الحاسدين ضارّين، فإنْ لم يظهِر الحاسد حَسَده و عملَ بمقتضاه فلا يكون حسده ضارًّا، و إنّما ينحصر حسده عليه و على نفسه بِما يشعر به من الهمّ و الغم لعدم تملّكه لِنِعَم الآخرين، إنّما الضرر يكون في الحاسد الذي يظهر حسده و يعمل به، و من أخفى هذا الحسد ” العَين “، فهذا يكون تأثيره كبيرًا و ضارًّا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” العينُ حَقٌّ “.

و في الختام، نذكر بأنّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه و آله و سلم كان يقرأ سورة الفلق و سورة النَّاس ” المعوذتين ” عندما يأوي إلى فراشه، فينفث في يديه ثم يمسح بهما ما أقبلَ من بدنه و ما أدبَر، و كما أمرَ الرسول عليه الصلاة و السلام بقراءة المعوذتين بعد كلِّ صلاة، إلى جانب قراءتهما صباحًا و مساءًا ثلاث مرّات مع سورة الإخلاص.

اقرأ أيضًا :

لماذا سميت سورة الفاتحة بهذا الاسم | و أسماء أخرى لم تعرفها من قبل

المراجع

  1.    www.quran.com | Al-Falaq
  2.    سورة الفلق | www.ar.wikipedia.org
235 مشاهدة

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى توقيف مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفح محتوى الموقع بشكل سليم.