أطلّ من نافذة غرفتي العتيقة ، أتناول قلمي بيد ومذكرتي باليد الأخرى ، لأخط حروفًا تحيي ما مات فينا من أمل ولأكتب لكم عن علم موازين الشعر، لذلك فإذا كنتم مهتمين بذلك تابعوا معنا هذا المقال.
ماهو الشِّعر
من وجهة نظري لا أجد تعريف يفي مكانة الشِّعر ولكن ينبغي أن نعرّفه حتي يتسنى لنا فرصة أن نقرأه، أن نشرب من كؤوس الجمال شرابَا حلوًا ونطير بين سطوره من سطر إلى آخر، ولكن ببساطة أقول لكم إن الشِّعر كلام مقفّى موزون يدل على معنى يقصده الشاعر وقيل إن الكلام الموزون الذي لم يقصده الشعر في قصيدته فلا نسمي ما كتبه شعراً، الشعر هو شكل من أشكال الفن الأدبي في اللغة العربية العظيمة ، كلام يعتمد على استخدام موسيقا خاصة به.
فإن أعدتم النظر في كل القصائد التي عبرتم حدودًا لا حصر لها وأنتم تسافرون بين ثناياها ، تجدون أن كل قصيدة لا تشبه الأخرى، وهذا شيء بديهي لأن لكل شاعر اللحن الذي يعكس باطنه فهو يعتبر شعره مرآته، وتذكروا شيئًا أصحابي أنّ : الكلمات الثمينة حين تخرج من كهوف أصحابها تغدو ملكًا للريح ، الشعراء لا يسترجعون كلماتهم ، والآن دعونا نبحر بين سفن اللغة العربية وسنبدأ بسفينة موازين الشعر.
علم موازين الشعر
علم موازين الشعر هو أحد علوم اللغة العربية العظيمة لغة الضاد، التي مهما بحثت لتجد كنزها الأخير كلما وجدت نفسك تضيع بين كنوزها الغريبة.
هو العلم الذي يهتم ويبحث في موازين الشعر لمعرفة صحيح الشعر العربي وما قد يطرأ عليه من تغييرات في الأوزان والتفعيلات، أي أنّه هو العلم الذي يحدد ويميّز الشعر العربي السليم والشعر المكسور في وزنه بل واعتبر النقّاد أنّ الشاعر الذي يستطيع أن يكتب الشّعر من غير أن يعلم بميزانه، ومن غير أن يكون بحاجة إلى معرفة قواعده ومصطلحاته، فهو شاعر ذو إحساس مرهف ويملك قوة رفيعة جدَا لما أهلّته لأن يقول شعِّرًا من دون دراسة علم العروض وهو نفسه علم موازين الشعر.
من وضع علم موازين الشعر
من وضع علم موازين الشعر كان من عظماء الأمة، وأحد أهم علمائها و هو أول من فكّر بأن يحافظ على اللغة العربية ويصونها، ألا وهو :
أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي البصري، ولد في عمان عام 100 للهجرة وتوفي عام 175 للهجرة، هو عربي من قبيلة الأزد، كان من الزهّاد الورعين الذين لا يقبلون على الحياة أبدًا، ولأزيدكم من البيت شعرًا هو أول من وضع معجم للغة العربية سماه معجم العين.
ثم أنه وضع 15 بَحرًا ليأتي بعده الأخفش الأوسط ليزيد عليهم بحرًا واحدًا أسماه : البحر المتدارك ، وهو أول من شكّل الحروف برسمها الحالي المعروف .من كتبه النفيسة التي أنصحكم بقراءتها والتي لا غِنى عنها بدراسة اللغة.
“كتاب العَروض” , ” كتاب الإيقاع” , ” كتاب النقط والشكل”.
قبل أن أغني معلوماتكم بأنواع بحور الشعر العربي دعونا نعرف لماذا سمي الوزن الشعري بحرًا ، ولتعلموا أصدقائي أن هذه التسمية هي على سبيل الاستعارة في اللغة العربية .
سبب تسمية الأوزان الشعرية بالبحر
تباينت الآراء في سبب التسمية، سأروي لكم بعضًا منها وهي وفق الآتي :
1- الشيخ التنوخي
سمى الوزن الشعري بحرًا لأنه قطعة من الشِّعر ، ومعنى الشعر في أصل اللغة العربية هو الشق.
و بالتالي فكأن هذا الوزن اشتق من الشعر ومعنى ذلك أن الأوزان الشعرية كثيرة والبحر أحد هذه الأوزان يشتق من النغم الموسيقي ، وقال أيضًا : إنّ الوزن الشعري يشبه البحر في سعته فلا يوجد بحر من بحور الشعر إلا وعليه الكثير والكثير من القصائد.
2- جلال الحنفي
سمى الوزن الشعري بحرًا لبعد غور ( عمق ) كل منهما وسعة مجاله ، وخوف راكبه ، وما يتطلب كل منهما للاستعداد في خوض معركة إبحاره، ثم قال أيضًا : أنه سمي بحرًا لوجود الأصداف والجواهر التي تستخرج من البحر وما يشبهها في الوزن ، وأن البحر يتطلب الغوص فيه لمعرفة أسراره فإن البحر الشعري أيضًا يحتاج إلى الغوص للتفكير فيه.
3- الدكتور بدير متولي
سمى الوزن الشعري بحرًا تشبيهًا لشطريه بشاطئي البحر ، فكما أن للبحر شاطئان يمتدان على جوانبه ويسيران في خط متواز فكذلك أيضًا شطرا الوزن الشعري ( أو بما يسمى بالبيت الشعري) فهما يمتدان على طول القصيدة بخط متواز.
والآن لنأتي إلى تفصيل البحور الشعرية حيث جاء صفي الدين الحلي ونظّم مفاتيح هذه البحور حتى يسهل حفظها .
بحور الشعر العربي في علم موازين الشعر
البحر الشعري هو ذلك العّقد الذي ينظُم الشاعر عليه قصيدته ، مجموعة من التفعيلات المرتبة وفق نحو معين لتشكِّل شطري البيّت الشعري.
1- البحر الطويل
يتكون البحر الطويل من 8 تفعيلات ، 4 منها لكل شطر ، ثم مفتاحه هو :
*طويلٌ له دون البحور فضائل *
– فَعُولُن مَفَاعِيلُن فَعُولُن مَفَاعِيلُن –
2- البحر البسيط
يتكون البحر البسيط من 8 تفعيلات ، 4 منها لكل شطر ، ثم مفتاحه هو :
*إنّ البسيط لديه يبسط الأمل *
– مُستَفعلُِن فَاعِلُن مُستَفعلُِن فَعِلُن –
3- البحر الكامل
يتكون البحر الكامل من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ثم مفتاحه هو :
*كمل الجمالُ من البحور الكاملُ *
– مُتَفاعِلُن مُتَفاعِلُن مُتَفاعِلُن –
4- البحر الوافر
يتكون البحر الوافر من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر، ثم مفتاحه هو :
*بحورُ الشعر وافرها جميلُ *
– مُفاعَلَتُن مُفاعَلَتُن فَعُولُن –
5- البحر المديد
يتكون البحر المديد من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ثم مفتاحه هو :
*لمديد الشعر عندي صفات*
– فَاعِلاتُن فَاعِلُن فَاعِلاتُن –
6- البحر الخفيف
يتكون البحر الخفيف من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ثم مفتاحه هو :
*يا خفيفًا خفّت به الحركات*
– فَاعِلاتُن مُستَفعِلُن فَاعِلاتُن –
7- البحر المضارع
يتكون البحر المضارع من 4 تفعيلات ، 2 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*تعدّ المضارعات*
– مَفَاعيلُن فاعِلاتُن –
8- بحر الهّزّج
يتكون بحر الهّزّج من 4 تفعيلات ، 2 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*على الأهزاج تسهيل*
– مَفَاعيلُن مَفَاعيلُن –
9- بحر الرجز
يتكون بحر الرجز من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*في أبحر الأرجاز بحرٌ يسهُلُ *
– مُستَفعِلُن مُستَفعِلُن مُستَفعِلُن –
10- بحر السريع
يتكون بحر السريع من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*بحرٌ سريع ماله ساحل *
– مُستَفعِلُن مُستَفعِلُن فَاعِلُن –
11- بحر المنسرح
يتكون بحر المنسرح من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*منسرحٌ فيه يضرَب المَثَل*
-مُستَفعِلُن مَفعُولات مُفتَعِلُن –
12- بحر الرّمل
يتكون بحر الرّمل من 6 تفعيلات ، 3 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*رمل الأبحر يرويه الثقات*
– فاعِلاتُن فاعِلاتُن فاعِلاتُن –
13- بحر المقتضب
يتكون بحر المقتضب من 4 تفعيلات، 2 منها لكل شطر، ومفتاحه :
*اقتضب كما سألوا*
– فاعِلات مُفتَعِلُن –
14- بحر المُجتث
يتكون بحر المُجتث من 4 تفعيلات ، 2 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
– مُستَفعِلُن فَاعِلاتُن –
15- بحر المتقارب
يتكون بحر المتقارب من 8 تفعيلات ، 4 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*عن المتقارب قال الخليل*
– فَعُولُن فَعُولُن فَعُولُن فَعُولُن –
16- بحر المتدارك أو المحدَث
يتكون بحر المتدارك من 8 تفعيلات ، 4 منها لكل شطر ، ومفتاحه :
*حركات المُحدّث تنتقل *
– فَعِلُن فَعِلُن فَعِلُن فَعِلُن –
وبعد الانتهاء من عرض أنواع البحور الشعرية دعونا نتكلم عن أهمية هذه البحور أي عن أهمية علم موازين الشعر.
أهمية علم موازين الشعر
هناك فوائد واضحة وجليّة لعلم موازين الشعر حيث لا يمكن الاستغناء عنه عند دراسة الشعر العربي ولذلك دعوني أذكر لكم بعضًا منها :
1- القدرة على قراءة الشعر
حيث أن الإلمام بقواعد ومبادئ علم موازين الشعر يجعل قراءة الشعر قراءة صحيحة وسليمة و بالتالي الابتعاد عن أي خطأ قد يسببه عدم الإلمام بهذا العلم.
2- معرفة ما ورد في التراث الشعري
لذلك من كان ملِّمًا بعلم موازين الشعر ومقاييسه سيكون على معرفة تامة بالمصطلحات العروضية التي قد ترد في أي قصيدة شعرية.
3- ملاحظة أثر علم العروض
لعلم موازين الشعر الأثر السحري في غرس الذوق الفني وتهذيبه لدى الكاتب ، لاسيما من الوقوف عند سمات الشعر من اتّساقٍ في وزن الشعر وتآلف النغم الموسيقي في القصيدة .
4- الكلام الموزون
لعلم موازين الشعر أهمية بالغة في التفريق بين كلمات القصيدة عن حديث الناس بشكله العام والخاص ، حيث أن هذا ا لعل جاء مبنيًًا على عدد من الحركات والسكنات داخل كل شطر من القصيدة بعدد دقيق ومضبوط، فإن خرج عن مساره المضبوط أدى إلى كسر وعيب في القصيدة.
الختام
وإلى هنا أصدقائي دعونا نختم مقالتنا حول علم موازين الشعر [1] ببيت شعري له وَقعٌ خاص في قلبي ، ولكن قبل أن أخبركم به فلتعيدوا قراءة المقال مرة أخرى لتعرفوا ماهو نوع البحر الذي كتب به البيت الشعري:
أغرّك مني أنّ حبكِ قاتلي .. وأنّكِ مهما تأمري القلبُ يَفعلُ
اقرأ أيضاً: