لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا | تعرّف على الإجابة الصحيحة

لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا | تعرّف على الإجابة الصحيحة

عند تقرير الغاية التي خلق الله تعالى لأجلها الخلق يكثر السؤال عنها، مع العلم بأنّ الله تعالى لا تنفعه عبادة واحد من العِباد و لا تضرّه معصية عبد من عباده أو كفره، ليأتي معترض و يقول : لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا، و هو سؤال سنحاول معالجته و الذي سيكون محور حديثنا اليوم.

لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا | الجزء الأول

لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا | الجزء الأول

سنقوم بتقسيم فكرة هذا السؤال إلى أفكار فرعية جوهرية لمناقشة جواب هذا السؤال و إيجاد فحواه، فكل سؤالٍ مهما كان محتواه، يخبئ بين ثناياه افتراضات مبطّنة، و بنية هذا السؤال تحتوي على مقدِّمات غير منطوقة و لكن يمكن أن يتم الكشف عنها، فسؤال ” لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا “، يمكن أن نقوم بتفكيك مقدّماته إلى أكثر من مقدّمة. و ذلك على النحو التالي :

مقدّمات السؤال ” لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا “

  1. فعل العبد و طلبه، مرد فعله و طلبه إلى سدّ الحاجة.
  2. فإذًا كل طلب و كل فعل مردّهما للحاجة.
  3. فإذا كان الله تعالى جلّ في علاه خلقنا ( يفعل ) و طلب مِنّا العبادة ( طلب ).
  4. فنتيجة لِما سبق هي أنّ الله تعالى إمّا خلقنا ” بلا هدف ” ( حاشاه ) إن لم يكن هناك حاجة، و إمّا خلقنا ” لِحاجة “.

و لكن دَعني أفاجتئك لأنّ هذه المقدمات ليست صحيحة، بدءًا من المقدمة الأولى!، فلا يطلب الطبيب من مريضه أن يقوم بفتح فمه لأنّ الطبيب بحاجة إلى ذلك، و لا يتطوّع أحد ما للإنقاذ شخص في مأذق لأنه يحتاج إلى هذا، و من يظن بأنّ الرسّام قد يرسم لوحة لأنه بحاجة إلى ذلك، إذًا إنّ مفهوم الحاجة مفهوم محصور المدى، من أجل تفسّر البشر سلوكها بهذا المفهوم، و بالرغم من أنّ هناك أسباب لا شك لهذه الأفعال، إلا أنّها ليست الحاجة فقط. فإذا كانت المقدمة الأولى ليست عامة على البشر، فكلّ ما يليها من المقدّمات المبينة عليها غير صحيحة أيضًا.

سؤال يُبحث عن إجابته

لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا، سؤال سنقوم بتفكيكه، لنسأل منه سؤالين آخرين هما : السؤال الأول : ما فائدة هذا السؤال؟، في الحقيقة إنّ من يوجِّه هذا السؤال يكون ملحِدًا، لأنه سؤال بلا معنى، إذ أنّ الله تعالى غير موجود بالنسبة لِمن يسأل هذا السؤال، أمّا المؤمن الحق الذي يعترف بوجود الله تعالى فهو يعرف حكمة الله في خلقه، و هو موقِنٌ بهذا، فلا يقوم بالبحث و التمحيص وراء كل حكمة تفصيلية لِما يفعله الله، فالله لا يسأل عم يفعل، فلا يمكن أن يعرف المؤمن المعرفة الكاملة لـ لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا.

لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا | الجزء الثاني

في الفقرة السابقة للإجابة عن السؤال : ” لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا ” الجزء الأول، نأتي بعد ذلك إلى الحديث بشكل مبسّط للهدف من خلق الله تعالى للإنسان، حيث هذا الهدف يعتبر مسألة مصنّفة تحت أبواب العقيدة عند أهل العلم، كونها مسألة تنظوي على أسس كثيرة، و مبناها معرفة الله تعالى، فيمكن القول :

  • إنّ استشراف أسرار الكون بالنسبة للإنسان و تفكّره بإبداعات الخالق في الكون و ما يحتويه من ملايين الكواكب و النجوم و المجرّات، و من عجائب تفوق قدرة عقل الإنسان على الكشف الحسّي، كل هذا دليل على أنّ خلق الله تعالى للإنسان خلفه هدف عظيم و غاية سامية، تتلّخص في رحلة معرفة الله، و أنّ السعادة الحتمية للإنسان تكون بمعرفة الله تعالى و عبادته.
  • جعل الله سبحانه الحكمة من خلق جميع العِباد واحدة، و أيضًا لِحكمة تتعلّق بالدنيا و الآخرة، ففي الدنيا بستخلف الله تعالة العباد، و جعل الغاية من الابتلاء هي الابتلاء، و موضوع الاستخلاف أن يعرف العبد ربه و يعبده وفق المنهج الذي أنزله الله جل جلاله و رسله.
  • ثم إنّ من مقتضيات العبادة أن يدرك الإنسان تمام الإدراك بأنّه مملوكٌ لربه، و محاسبٌ على جميع ما أمره الله تعالى، فالعبادة هي الغاية من الوجود الإنساني.
  • قال الله تعالى في سورة الملك : ” الذي خَلَقَ الموتَ و الحياةَ ليبلُوكم أيُّكم أحسنُ عملًا و هو العزيزُ الغفور “، فمن خلال اختبار حية الدنيا للإنسان، تظهر آثار معرفته بربّه و تتجلّى درجة إيمانه بالله تعالى و أسمائه الحسنى و صفاته.
  • ثم و من أهم اختبارات الإنسان في الحياة الدنيا هي خلقه لأجل عبادة الله وحده لا شريك له، و الامتثال لأوامره، حيث قال تعالى : ” و ما خلقتُ الجِنَّ و الإنسَ إلّا ليعبِدون “.

لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاجنا | الجزء الثالث

تفصيلًا لمهمة الاستخلاف في الأرض و التي هي إحدى غايات وجود البشرية و إحدى أجوبة السؤال ” لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا “. نجد أنّ :

  • جعل الله تعالى مهجة الاستخلاف في الأرض مهمة عظيمة جدًا.
  • حيث تحمِل في طيّاتها معاني عمارة الأرض و تطويرها و اجتناب الفساد و تذليل صعوباتها، و التزام الإنسان بكافّة القيّم التي جاء بها شرع الله تعالة و تعاليمه في حياته و جميع سلوكياته.
  • قال الله تعالى : ” هو الذي جَعَلَكم خلائفَ في الأرض فَمَنْ كفرَ فعليهِ كفرهُ و لا يزيدُ الكافرن كفرهُم عندَ ربِهم إلّا مقتًا و لا يزيدُ الكافرين كفرهُم إلّا خَسارًا “.
  • ثم لا يمكن أن تكتمل مهمة عمارة الأرض لأي إنسان إن لم تكن تعتمد على شرع الله تعالى و منهاجه، حتى يتحقق الاستخلاف الحقيقي و المسار الصحيح للاستخلاف.

ثبوت الحكمة من خلق الإنسان بالعقل و الشرع

ثبوت الحكمة من خلق الإنسان بالعقل و الشرع

في الحقيقة، بالرغم من أننا أجبنا عن سؤال : ” لماذا خلقنا الله و هو لا يحتاجنا “، إلا أنه لا يمكن الجزم بالحكمة النهائية من خلق الله تعالى لِعباده، و لكن ثبتت الحكمة من خلق الله تعالى للبشر بالمنطق و العقل، إلى جانب ثبوتها أيضًا بالشرع، فالعقلاء من البشرية يدركون حق الإدراك و يوقنون حق اليقين حكمة الله لهم، و أنّه حاشاه أن يخلق شيئًا عن عبث و من دون هدف، ففي كل شيء خلقه الله تعالى ” حكمة “، و فيما يلي أمثلة بمثابة قطرة من بحر، عن الحكمة من خلق الله :

  1. فإذا أمعنّا النظر جيدًا في أعضاء جسم الإنسان لأدرك العاقل الحكمة من خلق كل عضو.
  2. فالله خلق عين الإنسان من أجل أن ينظر فيها، و يرى ما حوله.
  3. و خلق الأذن للإنسان حتى يسمع فيها، و خلق ماء الأذن مرًا حتى يقتل الحشرات التي قد تدخل إلى الأذن.
  4. خلق ماء العين مالحًا للحفاظ عليها و صيانة لها، كون شحمة الأذن قابلة للفساد.
  5. كما خلق الله تعالى ماء الفم عذبًا، لئلّا يثير أي مذاق غير مستساغ عند الإنسان، و لئلّا يؤثِّر ذلك على طعم أي شيء يأكله الإنسان.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى خِتام مقالنا اليوم، و فعلًا هو ختام لجواب سؤالنا، لأنه لا يمكن أن تعرف الحكمة النهائية كما هي، إلّا أننا جميعًا عباد الله و علينا التزام أوامره و الابتعاد عن نواهيه.

اقرأ أيضًا :

لماذا أرسل الله الرسل والأنبياء؟

160 مشاهدة

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى توقيف مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفح محتوى الموقع بشكل سليم.