يشعر الكثير من الأشخاص بالتوتر و القلق إزاء بعض المواقف، التي يكونون فيها مضطرين إلى الوقوف و التحدث أمام حشد من الناس، كما أن البعض يذهب بهم الحال إلى التصبب عرقاً و التأتأة، قد يعتبر كل ما تقدم طبيعياً، إذ يتهم الخجل بأنه وراء هذه الحالة الشعورية التي تلقي بظلها على الجسد، ولكن بين هذه الحالة الطبيعية و الحالة الغير طبيعية حداً فاصلاً هو الرهاب الاجتماعي، فإذا اردت معرفة ماهو الرهاب الاجتماعي، تابع المقال حتى النهاية.
ماهو الرهاب الاجتماعي؟
يُعرف الرهاب الاجتماعي أو ما يسمى باضطراب القلق الاجتماعي [1] ، على أنه حالة من التوتر والقلق المبالغ به تجاه التحدث مع الناس، أو ممارسة الأنشطة الحياتية اليومية، و التي تتطلب بطبيعة الحال الاحتكاك مع الغير، ينبع هذا التوتر لدى الشخص المصاب من التخمين الدائم بأنه موضع للمراقبة و التهكم و الحكم السلبي، و بالتالي هذا ما يدفع به إلى الانعزال، و العزوف عن مخالطة الناس.
أضف إلى ما سبق، أن مرض الرهاب الاجتماعي يضلع بشكل مباشر في التأثير على الحياة اليومية للمريض، حيث نجد أن الشخص في حالة من التراجع التدريجي سواء على صعيد الدراسة أو العمل و حتى بالنسبة لممارسة الأنشطة اليومية الروتينية. ما تقدم يجعلنا نقول أن مثل هذا الإشكال النفسي قد يكون اضطراب في الصحة العقلية بشكل مزمن، إلا أننا رغم ذلك نجد أن الكثير ممن يعانون من هذا الإشكال قد سجلوا تقدماً ملحوظاً لدى انخراطهم في حلقات معالجة و دعم نفسي، و تعاطيهم لبعض الأدوية المقدمة من أخصائي الرعاية الصحية.
أعراض الرهاب الاجتماعي
بعد أن أجبنا بشكل فضفاض عن السؤال الذي حمله عنوان المقال ما هو الرهاب الاجتماعي، حري بنا أن نقدم لك في هذه الفقرة مجمل الأعراض التي يعاني منها المصابون بهذه المشكلة النفسية، قبل أن تتسرع بالحكم على الأخرين أو على نفسك. إذ أنه من الإجحاف و المغالطة العلمية أن نوسم كل شعور بالخجل أو عدم التكلم و التعامل بأريحية في المواقف الاجتماعية على أنه رهاب اجتماعي، و ذلك لأن الخجل كما أسلفنا هو شعور طبيعي، كما أن الحيز الذي يشغله هذا الشعور يتفاوت بين شخص و أخر، تبعاً للكثير من العوامل ليس أخرها محددات الشخصية، و تجارب الحياة و الانفتاح و العمر. أما بالنسبة لاضطراب القلق الاجتماعي، فإنك تستطيع أن تستشف من خلال فقرة – ماهو الرهاب الاجتماعي- أن الحالة هنا أعمق و أشد وأشمل.
هذا و تقسم أعراض اضطراب القلق الاجتماعي إلى أعراض سلوكية و أخرى جسدية [2] . و فيما يلي سنعمل على التفصيل بكلا الفئتين:
أولاً: الأعراض السلوكية لاضطراب القلق الاجتماعي
- التخوف الشديد من الدخول بأي محادثة مع الغرباء.
- التكهن بأن الأخرين يطلقون عليك أحكام سلبية.
- مرضى الرهاب الاجتماعي يعانون من التردد و الحرج .
- التخوف و القلق من الأحكام التي يطلقها الأخرون تجاه ما تبديه من قلق.
- شعور عميق بالخوف من ملاحظة الأخرين لبعض الأعراض الجسدية التي تبدو عليك نتيجة الحرج، من مثل التعرق و الاحمرار.
- التأتأة و ارتجاف الصوت.
- محاولة النأي بالنفس عن أي موقف يحتمل أن تكون فيه محور الحديث.
- المبالغة بالتفكير و القلق إزاء بعض المواقف.
- المسارعة إلى اطلاق الأحكام التعسفية و السلبية تجاه بعض المواقف الاجتماعية التي ساورتك.
ثانياً: الأعراض الجسدية
- التعرق
- الارتجاف
- تسرع النبض
- الغثيان و القيء
- الشعور بالدوار
- اضطراب العضلات و تشنجها
- الاحمرار
أسباب الرهاب الاجتماعي
قد يكون اضطراب القلق الاجتماعي حاصل تفاعل بين مجموعة من العوامل البيولوجية و البيئة، في محاكاة لغيره من مشكلات و اضطرابات الصحة العقلية. و بالتفصيل نجد أن أصبع الاتهام يشير إلى هذه العوامل:
- عوامل وراثية، إذ أنه من الملاحظ في الكثير من الأحيان أن مرضى الرهاب الاجتماعي، ينحدرون من عوائل لها نفس الصبغة النفسية، إلا أنه من الصعب الجزم بمدى ضلوع الوراثة في مثل هذه الإشكالات النفسية
- فرط نشاط اللوزة الدماغية، والتي تعتبر جزء من الدماغ، الذي يوكل له كيفية التعامل مع الخوف و التعاطي مع القلق. إذ أنه من الملاحظ أنّ فرط نشاط هذه المنطقة يؤدي بطبيعة الحال إلى فرط استثارة تجاه الخوف، كما هو الحال عند مرضى الرهاب الاجتماعي.
- في الكثير من الأحيان قد يكون مرد أو منبع هذا الاضطراب “عوامل اجتماعية أو بيئة”، حيث نلحظ تدحرج تجاه هذا الاضطراب لمن عانوا مسبقاً من موقف سبب لهم الكثير من الحرج و المهانة. أضف إلى ذلك أن هذا السلوك يلحظ لدى الأطفال الذين حظوا بأهل كثيري التخوف و القلق إيذاءهم.
المضاعفات المحتملة
من المرجح أن الرهاب الاجتماعي سيؤدي مستقبلاً إلى خلل في التعاطي مع العمل أو الدراسة، كما أنه سيؤثر على الإنتاجية و العلاقات العاطفية، و من أبرز المضاعفات التي سيفضي إليها الرهاب الاجتماعي هي، ضعف الثقة في النفس بشكل كبير، إلى درجة عدم احترام الذات و الشعور بالدونية – صعوبة الجزم و التيقن و أخذ القرارات الحاسمة – النظر إلى النفس من منحى سلبي – عدم تقبل النقد و الحساسية المفرطة تجاهه – العزوف عن مخالطة الناس و تفضيل العزلة – انعدام الذكاء الاجتماعي – تردي في العمل و الدراسة – الهروب من الواقع بإدمان بعض المسكرات أو المخدرات – التفكير الجاد بالانتحار.
الوقاية
من المؤسف أنه لا توجد طريقة حاسمة تجزم بمرد الإصابة ب الرهاب الاجتماعي، إلا أنك تستطيع أن تقوم باتخاذ بعض الإجراءات التي تساعد في تجفيف منابع الخوف، و بالتالي الوقاية من الرهاب الاجتماعي، و هي كالتالي:
أولاً: لا تتردد أو تسوف بشأن أخذ استشارة نفسية. إذ أن الكثير من الأمراض و مشاكل الصحة العقلية يصعب علاجها مع استفحالها. و لا تقلق بشأن الأحكام التي قد توجه إليك لدى طلبك لمثل هذه المشورات، لكون العواقب المحتملة للرهاب الاجتماعي، هي أكبر و أخطر من مغبة التعرض لبعض الترهات الاجتماعية.
ثانياً: باشر في تسجيل مذكراتك اليومية. إذ أن مثل هذا الإجراء له جزيل الأثر في مساعدتك على ملاحظة الأسباب الغائرة وراء بعض التخوفات و اضطرابات القلق. كما أن اطلاع الطبيب النفسي على مثل هذه اليوميات يقوده بشكل أصح للتعامل مع حالتك.
ثالثاً: نظم أوقاتك و رتب أولوياتك. إذ أن مثل هذا العمل يتيح لك المجال لممارسة بعض النشاطات التي تبث السعادة في نفسك. و بالتالي الهروب من شعور القلق و التخوف الذي يجثم عل فكرك.
رابعاً: ابتعد عن المهدئات أو الكحوليات ، كما من الأجدر لك أن تقلع عن التدخين في حال كنت مدخن. إذ أنك تعتقد أن الانخراط في مثل هذه الأمور قد يساعدك على تجاوز القلق و الرهاب الاجتماعي، لكن على النقيض إنه يزيد الأمر سوءاً.
العلاج
يبنى القرار بخصوص كيفية التعامل العلاجي مع الرهاب الاجتماعي، حول مدى و عمق تأثير هذا الرهاب على حياتك اليومية. لكن في العموم يعتبر العلاج النفساني هو اليد الطولة في هذا الاضطراب. حيث أن جلسات العلاج النفسي تجعل المريض قادر على التحكم بأفكاره و تسيرها نحو الإيجابية، كما أنه يعرف المريض بمكامن الخطأ في سلوكيات التفكير لديه، ليعمل على تقويمها، و بالتالي زيادة الثقة بالنفس.
كما أن العلاج السلوكي المعرفي الذي يعتبر إحدى تفرعات العلاج النفسي، أحد أبرز أشكال العلاجات المقدمة لمرضى الرهاب الاجتماعي.
أما على صعيد العلاج الدوائي فيذهب مقدمو الرعاية الصحية إلى صرف بعض مضادات الاكتئاب. من مثل مثبطات عود امتصاص السيرتونين الانتقائية، أو مثبطات عود التقاط السيرتونين و النورإيبينفرين، إذ تعد مثل هذه العلاجات واعدة في علاج الرهاب الاجتماعي.
في الختام نشدد على أهمية عدم التراخي في التعامل مع مثل هذه الحالات، و المسارعة إلى استشارة أخصائي الرعاية الصحية و الأطباء للتعامل مع مثل هذه المشكلات النفسية، كما نحذر من مغبة و خطورة تعاطي بعض الأدوية الواردة من تلقاء نفسك.
اقرأ أيضاً:
مرض الاكتئاب النفسي | الأسباب والعلاج
المراجع
- ↑ اضطراب القلق الاجتماعي | www.ar.wikipedia.org
- ↑ social anxiety disorder | www.mayoclinic.org