تشير منظمة الصحة العالمية أن كل طفل من أصل 100 يعاني من التوحد [1] ، هذا و يطلق في الأوساط الطبية على هذا المرض اسم “اضطرابات طيف التوحد”، و ذلك نظراً لكون الأعراض التي تترتب عن التوحد متعددة و كبيرة، و القاسم المشترك بينها أنها تؤثر على قدرات الدماغ المعرفية و السلوكية، و على الرغم من أن الصفات العامة لهذا المرض قد تظهر في مرحلة الطفولة، إلا أنه في الغالب لا يتم الجزم بتشخيص المرض إلا في مرحلة متقدمة، و من الملاحظ أن المصابين بالتوحد قد يبدون أعراض شديدة، تتطلب رعاية و مساندة مدى الحياة، و على النقيض من ذلك نجد أن بعض الشخصيات استطاعت التغلب على طيف التوحد، لتطور قدرات ذهنية و معرفية كبيرة، من هذه الشخصيات اينشتاين الذي يرجح أنه كان مصاب بالتوحد [2] ، في هذا المقال سنتناول التوحد عند الأطفال حيث سنعمل على شرح الأسباب و الأعراض و أُفق العلاج.
تعريف التوحد عند الأطفال
طيف التوحد عند الأطفال هو من الاضطرابات التي تندرج ضمن ما يسمى ” اضطرابات في الطيف الذاتوي” يعرف اختصاراً في اللغة الإنكليزية ب ASD، من المرجح أنه في الغالب تظهر سمات التوحد العامة في مرحلة الرضاعة، أي قبل أن يشارف الطفل على سن الثالثة، و بالرغم من أن أعراض طيف التوحد تعتبر فضفاضة، بمعنى أن الأعراض لا تكون موحدة لدى جميع المصابين، إلا أن القاسم المشترك بين جميع هذه الأعراض، أنها ضليعة بشكل كبير في الحد من قدرة الطفل على التفاعل مع المحيط و الوسط الاجتماعي.
تشير الإحصائيات و الدراسات، أن نسبة الإصابة بهذا المرض في ارتفاع مستمر، و لم يتم الجزم حول السبب الكامن وراء هذا الازدياد، فيما إذا كان ازدياد حقيقي بوتيرة انتشار المرض، أم أنه نتيجة اليقظة الاجتماعية حول المرض، و التي أدت تباعاً إلى تسجيل المزيد من الحالات، إذ أنه في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً أصبحت النسبة 6 إصابات من أصل كل 1000 طفل [3] .
هذا و لم تفضي الدراسات الطبية إلى علاج شافي لمرض التوحد عند الأطفال، إلا أن التشخيص المبكر و الدعم و النفسي و الاجتماعي ، فضلاً عن العلاج السلوكي، له أثر جزيل و كبير في تقويض أعراض هذا المرض.
أسباب طيف التوحد عند الأطفال
لم تستطيع الدراسات أن تصل إلى نتيجة تحصر من خلالها الأسباب المؤدية إلى التوحد عند الأطفال، و ذلك نظراً لتعقيد هذا المرض، و مدى الأعراض الواسعة التي يحدثها، حيث بالعموم لن تجد تطابق تام بين طفلين مصابين بطيف التوحد، إلا أن أبرز الأسباب تكون عما يلي:
أولاً: الاعتلالات الوراثية
من الأمور التي جزم بها العلم، أن لبعض الاعتلالات الوراثية و التي قد تنتقل من الاباء إلى الأبناء، أو تلك العيوب الجينية التي تظهر تلقائياً، دوراً كبيراً في العديد من حالات التوحد. إذ أنه من الملاحظ أنه توجد العديد من الجينات التي تكون ضليعة بشكل مباشر بإحداث اضطراب طيف التوحد، علاوةً على أخرى وجودها يجعل من الطفل عرضة بشكل أكبر لهذه الإصابة.
ثانياً: عوامل بيئية
يذهب بعض العلماء إلى القول بأن التوحد هو نتيجة تضافر بين العوامل الوراثية و البيئة إلى جانب بعضها البعض، كما أن بعض الدراسات تشير إلى أن تلوث الجو ببعض الفيروسات، قد يكون عامل مؤهب للإصابة بالتوحد عند الأطفال.
ثالثاً: أمور أخرى يعتقد أن لها دور في إحداث التوحد
تشير بعض الدراسات إلى إمكانية ضلوع المشاكل التي قد تحدث لدى الولادة و المخاض، بتحفيز حدوث التوحد، كما أنه من المحتمل أن يكون لجهاز المناعة دوراً في جعل الطفل أكثر ميلاً لهذا الإشكال.
عوامل الخطر للإصابة باضطراب التوحد عند الأطفال
من المعروف أن أي طفل، و من أي عرقية أو قومية أو خلفية، من الممكن أن يصاب بالتوحد، إلا أنه بالطبع و كغيره من الأمراض، هناك بعض العوامل التي من شأنها أن تنذر بشكل أكبر بحدوث المرض، و من هذه العوامل نذكر:
أولاً: الجنس
تشير بعض الدراسات أن احتمالية إصابة الطفل الذكر بالتوحد هو أكبر من احتمالية إصابة الأنثى بثلاث مرات.
ثانياً: الخلفية العائلية
من المرجح أن العائلة التي تضم فرد مصاب بالتوحد، فإن فرصة إصابة طفل أخر بهذا الاضطراب تكون أكبر، أضف إلى ذلك أنه من الملاحظ بشكل جلي، أن أغلب حالات التوحد عند الأطفال، تكون لأبوين يعانون من بعض المشاكل على صعيد السلوك و المهارات التطورية.
ثالثاً: بعض الأمراض تزيد احتمالية الإصابة بالتوحد عند الأطفال
- الصرع.
- متلازمة توريت.
- التصلب الحدبي.
- متلازمة الكروموسوم X الهش، و هي متلازمة تؤدي إلى تطور ورم دماغي.
رابعاً: سن الآباء
يعتقد بعض العلماء أن الأطفال الذين يولدون لأباء متقدمين في السن(فوق الأربعين) لديهم احتمالية تفوق أقرانهم، للإصابة بمرض التوحد، في حين نجد أن نفس الدراسات تكاد أن تهمش تأثير سن الأم بكونه عامل خطر ل مرض التوحد عند الأطفال.
أعراض مرض التوحد عند الأطفال
كنا قد أشرنا سابقاً أن دائرة أعراض مرض التوحد عند الأطفال متسعة، إذ أنه لدى تشخيص التوحد لدى طفلين على سبيل المثال، فإنه في الغالب سيبدي كل من الطفلين أعراض مختلفة عن قرينه، كما أن تطوير أياً منهم لسلوكيات و مهارات ستكون مختلفة عن الأخر، على الرغم من ذلك نجد أنه في حالات مرض التوحد الشديدة، يكون فيها الأطفال متشددي الانغلاق على أنفسهم، و يواجهون صعوبة كبيرة في التفاعل مع الوسط الاجتماعي، و التكلم مع الأخرين.
إلا أنه بالعموم سنحاول فيما يلي جمع أشمل و أشيع الأعراض التي تلاحظ لدى مرضى التوحد:
أولاً: مشاكل في المهارات الاجتماعية
- التوحد عند الأطفال يجعل منهم يميلون بشكل كبير للعزلة، إذ يفضل مريض التوحد أن يلعب بمفرد.
- لا يكاد يفرّق أو يشعر بأحاسيس و مشاعر الأخرين.
- ينغلق على نفسه، و لا يحب أن تقوم والدته باحتضانه أو تقبيله.
- لدى التحدث معه، يبدو أنه لا يكاد يسمع المتحدث.
- ينعدم تقريباً أي اتصال بصري، بمعنى أنه لا ينظر إلى من يتحدث معه.
- يتجاهل مناداته.
ثانياً: اضطرابات سلوكية
- يقوم على الدوام بتكرار حركات معينة، كأن يعمل على الدوران أو تكرار حركة معينة بيديه.
- له طقوس غريبة لا يفارقها.
- يعمد إلى الصراخ والبكاء لدى ارغامه على مفارقة هذه الطقوس و العادات.
- لا ينفك عن الحركة.
- يبدي تعجب و ذهول من أشياء بسيطة يكاد لا يلاحظها الأطفال الأخرون.
- يتحسس بشكل مبالغ به للأصوات و الأضواء.
- لا يستشعر الألم.
ثالثاً: اضطراب في المهارات اللغوية
- نجد أن مرض التوحد عند الأطفال، يؤخر الطفل عن النطق و الحديث مقارنة مع الأطفال الأخرين.
- من الممكن أن نلاحظ أن مريض التوحد يفقد القدرة و يصبح عاجز عن نطق بعض الكلمات التي كانت منطوقة لديه.
- يتمنع عن القيام بأي اتصال بصري، إلا لدى رغبته بشيء ما.
- طريقته في الكلام تكون غريبة، إذ يعمد مثلاً إلى استخدام نبرات مرتفعة.
- لا ينخرط بأي محادثة من تلقاء نفسه، كما أنه يكون غير قادر على الاستمرار بمحادثة قائمة.
- من الملاحظ أيضاً أنه يعمل على تكرار بعض الكلمات والمصطلحات، لكنه يعجز عن توظيفها في سياق واضح.
الصعوبات التي يواجها مريض التوحد
من الأمور الواضحة للعيان أن التوحد عند الأطفال، يجعل منهم يعانون بشكل كبير و واضح من صعوبات في كل مما يلي:
- السلوك
- المهارات اللغوية
- الانخراط بالمحيط و تشكيل علاقات اجتماعية.
يلاحظ أن بعض مرضى التوحد، و لدى تقدمهم في العمر، يتخطون بعض الصعوبات، و يصبحون أكثر قدرة على التعامل و التفاعل مع المحيط، كما أن البعض منهم يذهب لأن يصبح شخصاً عادياً ويكمل حياته بشكل طبيعي، و على النقيض من ذلك نجد أن البعض الأخر تبقى لديه الصعوبات سواء على صعيد التكلم أو إقامة علاقات اجتماعية، بل تصبح أسوء كلما تقدم في السن.
الجدير بالذكر أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد، يبدون قدرات استثنائية، و مهارات كبيرة، و لكنها على الأغلب تكون محصورة بمجال واحد كالرسم أو العزف.
علاج التوحد عند الأطفال
لم يتم بعد التوصل إلى علاج شافي من التوحد. كما أن العلاجات المتوفرة لا تقتصر على نوع واحد، بل تتعدد و تتنوع إلى:
- العلاج السلوكي
- العلاج الدوائي
- تعليم النطق و اللغة
- العلاج التعليمي
علماً أن التشخيص المكبر قبل سن الثلاث سنوات (و الذي يكون من قبل الطبيب بملاحظة بعض سلوكيات الطفل و بسؤال الأهل عن بعض مهارات الطفل و قدراته، عدا عن اخضاع الطفل لبعض الاختبارات و التقييمات)، له أثر كبير في تحسين الحالة.
اقرأ أيضاً:
تعرف معنا ماهو الرهاب الاجتماعي
المراجع
- ↑ التوحد | www.who.int
- ↑ متلازمة أينشتاين | www.ar.wikipedia.org
- ↑ مرض التوحد | www.webteb.com