تفسير سورة الفاتحة | و ما هي المواضيع التي تناولتها

تفسير سورة الفاتحة | و ما هي المواضيع التي تناولتها

هي فاتحة الكتاب، فهل هناك أعظم من سورة يفتتح بها كتاب الله الكريم، هذه السورة هي السبع المثاني، و هي ركن من أركان الصلّاة و التي لا تصح صلاة المسلم من دون أن يقرأ الفاتحة، فقد روي عن الصحابي أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : ” مَن صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمِ القرآن فيه خِدَاجَ – ثلاثًا – غير تمام “، و في رواية أخرى : ” لا صلاة لِمَن لَم يقرأ بفاتحةِ الكِتاب “. و لكن ما هو تفسير سورة الفاتحة ؟ حيث بمعرفتنا لتفسيرها سندرِك مدى حكمة بطلان الصلاة من دونها.

تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة

سورة الفاتحة سورة عظيمة جدًا [1]. نبدأ بتفسير سورة الفاتحة وفق آياتها كما يلي :

1- البسملة ” بسم الله الرحمن الرحيم “

افتتحت هذه السورة بـ ” البسملة “، و الاسم في اللغة العربية هو لفظ يطلق للدلالة على شيء أو ذاتٍ ذي معنى، و ” الله ” لفظ الجلالة للدلالة على الذَّاتِ الإلهية، و جملة ” بسم الله ” تدل على أنّها بدأت بفعل و لكن هذا الفعل تم حذفه، و تقدير هذا الفعل المحذوف هو : عندما يقول المسلم بسم الله، يعني : أبدأ قراءة كتاب الله الكريم متبارِكًا باسم الله تعالى، و هذا أسلوب عظيم يتبعه المسلمون في عبادتهم، حتى الجاهلية كانوا عندما يفتتحون أعمالهم يبدأون قبل ذلك بذكر اسم آلهتهم، مثل قولهم : ” باسمِ اللّاتِ و العَزَّى “، أي يأخذوا منها بركة العمل قبل البدء به، كما أنّ الفعل المحذوف يدل على الابتداء باسم الله تبارك و تعالى، أي لا يسبق اسمه شيء.

ماذا يعني ابتداء سورة الفاتحة بالبسملة

ابتداء سورة الفاتحة بالبسملة تشير للمسلم أن يبدأ أعماله مهما صغر حجمها بـ ” البسملة “، من أجل أن تكون كل أعماله التي يقوم بها ” مباركة “، ثم إنّ البسملة تصف أجلّ صفاتِ الله تعالى و هي الرّحمن الرّحيم، و هاتان صِفتان عظيمتان كونهما مشتقّتانِ من الرَحمة، و يراد بها في اللغة العربية : رِقّة يرافقها الإحسان، كما عرّفها جمهور السّلف بأنّها صفة للذات الإلهية فقط، قد لا يعرف معناها بشكل دقيق و لكن حتمًا أثرها في العلم جليًّا، و هو ” الإحسان “، فصفة الرّحمن و الرّحيم من صِيَغ المبالغة.

هل هناك فرق بين الصفتين الرّحمن و الرَّحيم

نعم هناك فرق بين هاتين الصفتين، فصفة الرّحمن تدل على نِعَم الله سبحانه و تعالى بالنِّعم العظيمة الجليلة، و أمّا صفته جلّ جلاله الرَّحيم دلالة على رحمته الدائمة، و نِعم الله الدقيقة، فصفة الرحمن هي صفة عامّة لكل النّاس و عامّة خلقِ الله، أي تشمل المسلمين، الدّواب، الشّجر و الكفّار، بينما الرّحيم هي رحمته تعالى على عباده المسلمين فحسب، فصفته تعالى الرَّحمن صفة متفرّدة به وحده سبحانه، بينما صفة الرّحيم يمكن للبشر أن يتّصف بها، فيوصف الإنسان على أنّه إنسانٌ رَّحيم.

2- الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِين* الرّحمنِ الرّحِيم

  • الَحمد يعني الشّكر و الثّناء على الجميل، و يكون بالِلسان بغير إجبار، و في هذه الآية الكريمة دليل على حمدِ الله تعالى و شكره و الثناء عليه بصِفات التَمجيد و التعظيم، فهو أهلٌ لِأن نحمده، و لا يستحقّ غيره تعالى الشكر.
  • و ربّ العالمين أي خالق و معبود و سيّد الكون، لأنّ كلمة العالمين هي جمع عالم، أي تشمل كلّ ما خلق الله تعالى من المخلوقات، من الجِنِّ و الإنسِ و الملائكة.
  • ثم كرر تبارك و تعالى وصف نفسه العظيمة بالرّحمة، و هذا ما سبق و ذكرناه في تفسير آية البسملة من تفسير سورة الفاتحة.

3- مالِكِ يَومِ الدِّين

من تفسير الآية ” مالكِ يوم الدين ” في تفسير سورة الفاتحة، يومِ الدِّين هو يوم الحِسابِ و الجَزاء، و هو أوّل أيامِ الآخرة، و الذي يعاقب فيها المجرمون المسيئون و يثاب فيها المتّقون المحسِنون، و الله وحده هو مالك هذا اليوم المهيب و المتفرّد به جل عظمته و كبرياءه، و السبب في حصر الله تعالى لملكيته يوم الدين بالرغم من أنّه مالك للدنيا و الآخرة، لأنّ يوم الدين هو يوم يتجرّد فيه العِباد من كلّ ما يملكون، و لا ملك يومئذ إلّا لله الواحدُ القهّار.

4- إيَّاكَ نَعبُدُ و إيَّاكَ نَستَعين

لهذه الآية الكريمة في سورة الفاتحة معنيين عظيمين، المعنى الأولى : العبادة، و المعنى الثاني : الاستعانة. نبينهما كما يلي :

  • العبادة هي الخضوع التام و الانقياد لله تعالى، مع استشعار عظمته.
  • بينما الاستعانة هي طلب التوفيق و العون من الله تعالى في جميع شؤون الحياة.
  • حيث يقرّ المسلم عندما يقرأ هذه الآية الكريمة بعبودية الله تعالى وحده و الطلب منه و رفع اليدين بالدعاء له فحسب.
  • فيستعين العبد بربّه عند أداء الطّاعات و العبادات.
  • و لو سألنا لماذا جاء لفظ ” نعبد ” قبل لفظ ” نستعين “، لوجدنا أنّ الفعل المضارع ” نبعدُ ” و ” نستعين ” بنون الجماعة.
  • أي اتّضح بأنّ مراد الله تبارك و تعالى هو أن يستشعر عبده المسلم بعبادة ربه و الاستعانة به مع المؤمنين، و بهذا يتحقق الإيمان المخلِّص في قلبه.

5- اهدِنا الصِّراطَ المستَقيم

اهدِنا، أي من الهداية و الهداية هي طلب الرّشد، أمّا ” الصِّراطَ المستَقيم ” يعني الطريق السهل الذي لا اعوجاج فيه، و يقصد به ” طريق دين الإسلام “، و المراد بهذه الآية الكريمة ضمن تفسير سورة الفاتحة، هو أنّ من أراد أن يكون سعيدًا في الدنيا عليه أن يسلك طريق الإسلام، و من ابتعد عن الصِّراط المستقيم لن ينال من هذا البُعد سوى الشَّقاء.

6- صِّراطَ الذين أنعمتَ عَليِهم غَيرِ المَغضوبِ عليهم و لا الضَّالّين

نجد هنا كلمة ” الصِّراط ” جاءت نكرة على عكس الآية السابقة التي جاءت معرفة، و يراد بهذا الهداية إلى صراط الأنبياء و الصالحين الذين ذكروا في القرآن الكريم، أي الاقتداء بهم و من ثم اتِّباع طريقهم و نهجهم، و هم الذين أنعم الله تعالى عليهم، أمّا الذين لم ينالوا نعم الله تعالى، فئتان : الفئة الأولى : هم المغضوب عليهم، أمّا الفئة الثانية : الضالّون، فالمغضوب عليهم هم الذين رفضوا التصديق بِما جاءهم من الحق، بل تمسّكوا بدينِ أباءهم و أجدادهم و هو دين الضلال و هم اليهود، أمّا فئة الضالّون فهم النّصارى و الذين لم يصل إليهم الحق على أكمل وجه، و حتّى لم يتمكّنوا من إدراك الدّين الصحيح.

أغراض سورة الفاتحة ومواضيعها من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة

بعد أن تعرّفنا على تفسير سورة الفاتحة نأتي للحديث عن المواضيع التي تناولتها سورة الحَمد، حيث اشتملت على عدّة مواضيع، و قد تحدّث عن هذه المواضيع بعضًا من المفسّرين. و هي كالتالي :

  • تمجيد الله تبارك و تعالى و حمده و الثناء عليه، من خلال ذكره بأسمائه الحسنى التي تستلزم صفاته العليا.
  • تنزيه الله تعالى عن النَّقائص.
  • إثبات الجَزاء و البعث.
  • إفراد الله تبارك و تعالى بالعِبادة و الاستعانة.
  • التوجه لله بطلبِ الهداية إلى صراطه المستقيم، صراط الأنبياء و الصدّيقين و الصالحين و الذين أنعم عليهم.
  • و من ثم التضرّع له سبحانه و تعالى بالتثبّت على صراطه المستقيم و عدم الحَيد عنه.
  • الإخبار عن قصص السابقين من الأمم.
  • الترغيب في أعمال الطّاعات و العِبادات الصّالِحة.

كما بيّنت سورة الفاتحة أساسيات دين الإسلام الحنيف :

  • شكر الله تعالى على نِعمه، في قوله : ” الحمدُ لله “.
  • الإخلاص لله تعالى، في قوله : ” إيّاك نعبدُ و إيّاك نستعين “.
  • الصّحبة الصّالِحة، في الآية : ” صراط الذين أنعمتَ عليهم “.
  • ذكر أسماء الله تعالى الحسنى و صفاته العليا، في قوله : ” الرحمن الرحيم “.
  • ذكر الاستقامة و الهداية إليها، في قوله : ” اهِدنا الصّراط المستقيم “.
  • ذكر الآخرة، في قوله : ” مالِكِ يومِ الدِّين “.
  • الدّعاء مخ العبادة، في قوله : ” نعبدُ و نستعين “.

أغراض سورة الفاتحة ومواضيعها من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة | البقاعي

أغراض سورة الفاتحة ومواضيعها من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة | البقاعي

حسب البقاعي صاحب التفسير، قال : ” إنّ سورة الفاتحة جامعة لجميع ما في القرآن، فالآيات الثلاث الأولى شاملة لكل معنى تضمنته الأسماء الحسنى و الصِفات العلى، فكل ما في القرآن من ذلك فهو مفصل من جوامعها، و الآيات الثلاث الأُخر من قوله : ” اهِدنا ” شاملة لكل ما يحيط بأمرِ الخَلق في الوصول إلى الله، و التحيّز إلى رحمته، و الانقطاع دون ذلك، فكل ما في القرآن فمن تفصيل جوامع هذه، و كل ما يكون وصله بين ما ظاهره من الخلق و مبدأؤه و قيامه من الحق فمفصل من آية ” إيّاك نعبد و إيّاك نستعين “.

أغراض سورة الفاتحة ومواضيعها من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة | ابن القيم

من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة مواضيعها التي ذكرها ابن القيم، بأنّ السورة اشتملت على كيفية الرّد على أهل الضلال و البدع بجميع طوائفها، و بيّنت مقامات العارفين و منازل السائرين، و من باب بيان تعظيم السورة التي لم تقوم مقامها سورة أو تسد مسدها، هو عدم ورود مثلها في الإنجيل و في التوراة.

أغراض سورة الفاتحة ومواضيعها من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة | عبد الرحمن السعدي

أغراض سورة الفاتحة ومواضيعها من أحد أوجه تفسير سورة الفاتحة | عبد الرحمن السعدي

أمّا من مواضيع تفسير سورة الفاتحة، فقد قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي : ”  هذه السورة على إيجازها احتوَتْ على ما لم تحتوِ عليه سورة من سور القرآن. فقد تضمنتْ أنواع التوحيد الثلاثة :

  • توحيد الربوبية، يؤخذ من قوله : ” ربّ العالمين “. و توحيد الإلهية، و هو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ : الله، و من قوله : ” إيّاك نعبد “.
  • توحيد الأسماء و الصّفات، و هو إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي أثبتها لنفسه، و أثبتها له رسوله صلى الله عليه و آله و سلم من غير تعطيل و لا تمثيل و لا تشبيه، و قد دل على ذلك لفظ ” الحَمد “.
  • و إثبات الجزاء على الأعمال في قوله : ” مالكِ يومِ الدِّين “، و أنّ الجزاء يكون بالعدل، و تضمنّتْ إخلاص الدّين لله تعالى، عبادة و استعانة، في قوله : ” إيّاك نعبدُ و إيّاك نستعين “.
  • إثبات النبوة، في قوله : ” اهِدنا الصّراط المستقيم “.

ثم في خِتام حديثنا المِسك عن تفسير سورة الفاتحة و التي من مسمياتها سورة النّور و الشّفاء و الكنز، يقول سيد قطب : ” إنّ في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية، و كليات التصوّر الإسلامي، و كليات المشاعر و التوجيهات، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كلِّ ركعة، و حكمة بطلان كلِّ صّلاة لا تذكر فيها “.

اقرأ أيضًا :

لماذا سميت سورة الفاتحة بهذا الاسم | و أسماء أخرى لم تعرفها من قبل

المراجع

  1.    تفسير سورة الفاتحة | www.ar.wikipedia.org
203 مشاهدة
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى توقيف مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفح محتوى الموقع بشكل سليم.