قد يصعب على البعض التفريق بين مفهومي الوحدة و العزلة، في حين يذهب البعض الأخر ليعتبر أنّ كلاً من هذين المفهومين يفضي إلى معنى واحد، و هذا بطبيعة الحال مغالطة علمية، على اعتبار أن العزلة هي حالة، في حين أن الوحدة هي شعور، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوحدة قد تكون أو لا تكون من مضاعفات العزلة، و من المفرقات أيضاً أن العزلة قد تترافق مع الشعور بالسعادة، و هذا ما حملته بعض استطلاعات الرأي التي عملت على تقصي أكثر الأنشطة التي تولد الشعور بالسعادة، لتأتي الكثير من الأجوبة متمحورة حول أنشطة تتطلب العزلة، كالقراءة مثلاً [1] ، على النقيض من ذلك نجد أن الوحدة تترافق عموماً مع شعور بالحزن و القلق، كما أنها من المحتمل أن تسبب بعض الأمراض النفسية أو العضوية، و المثير بالأمر أنه لا يشترط للشعور بالوحدة الابتعاد عن الناس، و عليه في هذا المقال سنناقش اسباب الشعور بالوحدة رغم وجود الناس.
تعريف الوحدة
يمكن تعريف الوحدة على أنها حالة من الألم النفسي. التي تتولد في النفس البشرية نتيجة غياب التواصل مع الأخرين بشكل غير مقصود و مرغوب. أضف إلى ذلك أنها تعتبر المحرك و الدافع لخلق فرصة للانخراط في العلاقات الاجتماعية، و ذلك على اعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، و العيش في جماعات و تأسيس الأسرة، وصولاً إلى المجتمعات طبع متأصل فيه، الجدير بالذكر أنه من الممكن أن تكون الوحدة من مضاعفات العزلة، إلا أنه لا يشترط على كل من أحبّ العزلة أن يشعر بالوحدة.
الجدير بالذكر أيضاً أن الشعور بالوحدة قد يطال الجميع في مرحلة ما من حياتهم، إلا أنّ تحول الوحدة إلى حالة مزمنة تحمل معها عواقب مستقبلية من مثل الاكتئاب و بعض الأمراض العضوية أيضاً كارتفاع الضغط، أضف إلى ذلك أن الشخص من الممكن أن يشعر بالوحدة على الرغم من وجود الناس من حوله، إذ نرى أن هذا الشعور النفسي، قد يسترشي أيضاً لدى المتزوجين و عند رجال الأعمال الناجحين أيضاًً، الذين من المفترض أن يتناقض تعريف الوحدة مع حيواتهم [2] ، و هذا بالطبع ما يدفع هؤلاء إلى تقفي اسباب الشعور بالوحدة رغم وجود الناس.
اسباب الشعور بالوحدة رغم وجود الناس
لا يشترط على من يشعر بالوحدة أن يكون وحيداً بالمعنى الحرفي، فالبعض يشتكي من هذا الشعور النفسي على الرغم من أن حياته تكون حافلة بوجود الناس، و فيما يلي سنعمل على ذكر و مناقشة أهم اسباب الشعور بالوحدة رغم وجود الناس :
1. الشعور بالوحدة لكونك حذر في علاقاتك مع الناس
قد يعزى الشعور بالوحدة رغم وجود الناس، لكون البعض يلتمسون الحذر في كل علاقاتهم مع الناس. و ذلك قبل أن يوطدوا أواصر التواصل معهم. ففي هذه الحالة يستغرق هؤلاء فترة طويلة قبل أن يشكلون علاقة صداقة مع أي شخص. و هذه الفترة الطويلة قد يشغلها الشعور بالوحدة و القلق نتيجة عدم القدرة على الانخراط بأي علاقة أو صداقة.
2. الانطوائية قد تكون من اسباب الشعور بالوحدة رغم وجود الناس
يفضل الأشخاص الانطوائيون البقاء بمعزل عن الناس. لأنه في الغالب الاختلاط و التعامل مع أوجه و أناس جدد قد يكون مرهق لهم. كما أن الأشخاص الانطوائيون يعزفون عن الدخول في محادثات مطولة، و هذا ما قد يؤدي إلى اطلاق بعض الأحكام السلبية عنهم من قبل المحيط، و بالتالي زيادة العزلة و تحولها من مطلب إلى أمر واقع يسبب الشعور بالوحدة.
3. العلاقات الراهنة ليست ذات سوية وجودة عالية
من المفارقات التي نراها كثيراً في المجتمع، أن البعض تكون لديهم حياة مليئة بالعلاقات الاجتماعية، و الحافلة بوجود الرفاق، إلا أنّ هؤلاء أنفسهم يشعرون بالوحدة. و على النقيض من ذلك نجد البعض الأخر يكونون من المقلين بتشكيل العلاقات الاجتماعية، و مكتفين بصديق مقرب وحيد، و لدى الفئة الأخيرة يغيب الشعور بالوحدة.
تعلل هذه المفارقة أن الفئة الأولى ركزت على الكمية و تجاهلت النوعية. إذ ليس المقصود و المنشود للتخلص من شعور الوحدة تكوين علاقات و حسب، بل أن تكون هذه العلاقات متلائمة مع شخصيتك و تلاءم طباعك .
4. فقدان عزيز قد يكون من اسباب الشعور بالوحدة رغم وجود الناس
يحدث لدى البعض أن يفقد عزيزاً أو قريباً نتيجة تغيب الموت له. فيدخل هذا الشخص في حلقة مفرغة من الشعور بالوحدة و الألم النفسي العميق، و لا يعزيه وجود الأشخاص و الرفاق من حوله. كما أننا نلاحظ أيضاً هذه الحالة لدى خروج البعض من علاقة عاطفية فاشلة، أو عدم وجود شريك عاطفي، يبادله الشعور بالمحبة و الود.
5. الشعور بالوحدة نتيجة الحاجة إلى المزيد من التقرب
يتطلع البعض على الدوام إلى بناء المزيد من العلاقات مع البشر. مع عدم الاكتفاء بالمحيط الضيق كالأسرة، و الأصدقاء، و زملاء العمل، و بالتالي هؤلاء قد يمسهم شعور الوحدة، نتيجة تطلعهم المستمر إلى المزيد من العلاقات.
بعض المغالطات عن الوحدة – و عن اسباب الشعور بالوحدة عند الناس
-
المسبب الرئيسي للوحدة هو العزلة
كما أشرنا في مطلع المقال الوحدة هي شعور في حين أن العزلة هي حالة. بمعنى أن الوحدة هو إحساس عميق بالألم نتيجة غياب التواصل مع الأخرين، فالمصاب بالوحدة قد يتحسسها رغم وجود الناس. و ذلك لغياب العلاقات الجادة أو القوية معهم، أو لعدم التفاهم و التوائم بينه و بين من حوله.
في حين أن العزلة هي مقصد يطلبه البعض. إذ يميل البعض إلى الانعزال لفترة عن الناس، و الانعكاف على النفس، لممارسة بعض الطقوس التي تبث لديهم شعوراً بالسعادة.
-
الوحدة منتشرة في هذا الوقت أكثر مما مضى
من المرجح أن الشعور بالوحدة عند الناس لم يشهد تغييراً ملحوظاً على صعيد الانتشار. إذ يذهب البعض ليتصور و يستنتج أن الوحدة تضرب بجذورها عميقاً في المجتمعات الحالية، نظراً لتفشي وسائل التواصل الاجتماعي. التي جعلت من العلاقات البشرية سطحية و مسامية و غير ناضجة، و ذلك خلافاً و تعارضاً مع ما تحمله هذه المنصات من اسم. لكن العديد من الدراسات التي أولت هذا الشعور النفسي بحثاً و تمحيصاً، وجدت أن الشعور بالوحدة عند الناس لم يشهد الكثير من التصاعد من حيث الانتشار.
-
ليس للوحدة أي جانب إيجابي
على الرغم من كون الوحدة هي شعور بالألم النفسي. إلا أننا إذا ما أمعنا النظر ببعض جوانبها، نجد أنها تشف عن شيء من الإيجابية. إذ أن الشعور بالوحدة رغم وجود الناس، يعتبر مشعراً بأن العلاقات الراهنة غير صادقة أو وطيدة، و بالتالي هذا من الممكن أن يكون حافز للبحث عن علاقات أكثر جدية و عمق.
أضف إلى أن الشعور بالألم و الوحدة أو الغربة، قد يكون مفجراً لبعض المواهب. و هذا ما نجده جلياً لدى بعض الشعراء، و الأدباء ممن اختبر الغربة و الوحدة.
في الختام إن الشعور بالوحدة قد يكون عارضاً و مؤقتاً. و يمكن علاجه من خلال التركيز على تقوية أواصر العلاقة مع الأهل، أو البحث عن أصدقاء حقيقيون، أو البحث عن شريك عاطفي، يزاحمك عزلتك لتكون جنّتك.
اقرأ أيضاً:
كيف اتخلص من التفكير الزائد قبل النوم بسهولة
المراجع
- ↑ خرافات حول الشعور بالوحدة | www.bbc.com
- ↑ وحدة (علم نفس) | www.ar.wikipedia.org