الشاعر الغزلي | الغزل الصريح والعفيف العذري

إنَّ شعر الغزل هو التغنّي بجمال المرأة، وتصوير حرارة حبّ الشّاعر لها بأبيات شعرية موزونة منسوجة من مشاعره، فيصف محاسنها ويتشبّب بها، بالإضافة إلى إبراز اشتياقه لها الذي تضفو عليه حالات الحزن تارةً. الغزل فن من الفنون الشعرية التي مارسها العديد من الشعراء واتّخذوا الغزل منهجاً لهم ^[1] ، ومن شعراء الغزل الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة، وأيضاً الشاعر قيس بن الملوح، والكثير على مرّ العصور. سنغزل لكم كلماتنا القادمة بحبّ مبينيّن أنواع الغزل مع شعرائهم.

أنواع الغزل

عرِف الغزل منذ القِدم على مرّ العصور وإلى وقتنا الحاضر، حيث ينقسم الغزل إلى نوعين:

1- الغزل الصريح أو يسمّى الغزل الحضَري أو الإباحي الفاحش: يتّسم الشاعر في هذا النوع من الشعر بعدم الاستقرار، فقد يكون الشعر موجّه إلى جماعة من النساء أي إلى أكثر من محبوبة، ويصفّ مفاتن جسد المرأة بِدقّة. كما يرتكز على توضيح الشهوات والملذات ربّما بألفاظ لائقة أو غير ذلك.

• من شعراء الغزل الصريح: عمر بن أبي ربيعة، بشار بن برد، أبو نواس، الحسين بن الضحاك وبكر بن خارجة.

2- الغزل العفيف أو يسمّى الغزل العذري أو البدوي: يستخدم الشاعر الغزلي في هذا الشعر العفّة والسموّ ويصوّر مشاعره بكل صدق وشفافية موجّهةً إلى محبوبة واحدة فقط، وهذا أكثر ما يميّز شعراء الغزل العفيف في العصر الأموي.

• من شعراء الغزل العفيف (العذري): قيس بن الملوح، جميل بن معمر، كثير عزَّة، سعيد بن عبد الرحمن وداود بن سلم.

الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة | الغزل الصريح

1- مَن هو عمر بن أبي ربيعة؟

هو أحد شعراء العصر الأموي، هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم شاعر مخزومي قرشي، مولود في مكّة عام (644 م – 23 هـ)، وموفّى في مكّة عام (712 م – 93 هـ). لم يكن في قريش شاعر أكثر كفاءة منه في الغزل، كما لقّبه الناس بالعاشق، ويكنّى أبا حفص، أبا الخطاب وأبا بشر. اشتهر الشاعر عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بشعر الغزل، لذلك عرِف بالشاعر الغزلي ^[2] . كما طغى على شعره سِمات الغزل الصريح.

2- خصائص الغزل الصريح لـ عمر بن أبي ربيعة

قِيل عن الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة أنه متحرّشاً جداً بالنساء الجميلات، وخاصةً في مواسم الحج والعُمرة، فكان يعتمر ويحجّ ويلبس الحلل ويتعرّف على النساء ويتشبّب بهم، ولن يفوّت فرصة خطّ الشعر في هذه المواقف، بل اتّخذ منها شعراً ينسجه بكلمات رقيقة غزلية، متمنياً لو كان الحج طيلة أيام السنة. سنطرق على مسمعيك أبياته الشعرية في كلماتنا القادمة.

برع عمر بن أبي ربيعة في وصف النساء بطريقة رهيبة لكلامهنَّ وحركاتهنَّ، بالإضافة إلى وصف دقيق لمفاتن أجسادهنَّ. كما أنه اعتمد على أسلوب الحوار وسرد القصص في أشعاره. اتّسم شعره أيضاً بالطابع الموسيقي فأخذ العديد من الموسيقين يتغنّون بأشعاره. لم يقتصر شعره على المفاتن الجسدية للمرأة وحبّه لها، بل استطاع أن يوظّف أبياته في وصف عواطفها ونفسيتها في حالات الغضب والفرح.

كما أضفى عمر بن أبي ربيعة خاصية جديدة على شعر الغزل، وهي من السِمات التي جعلته من أبرز شعراء الغزل الصريح، ألا وهي أنه وصف المرأة بالعاشقة وأنه هو المعشوق، وذلك قِيل بسبب شدّة حبّه لنفسه وإعجابه بها، فصوّر النساء هنَّ مَن يطلبنَ وصله ويتغزلنَ به.

3- قصائد الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة في الغزل الصريح

لدى الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة قصائد كثيرة متنوّعة لمواقف عدّة، لذلك سنطرق عليك بعضاً منها:

ففي مواسم الحج تمنّى لو أن الحجّ استمرّ طويلاً، ولو كانت أيام السنة كلها حجّ، حيث قال:

لَيتَ ذَا الدَّهرَ كانَ حتمًا علينَا…كلَُ يومينِ حجّةً واعتِمَارا

كما أنه كتب في قصيدته الرومانسية حدّث حديث فتاة حي مرة:

خَرَجَت تَأَطَّرُ في ثَلاثٍ كَالدُمى…تَمشي كَمَشيِ الظَبيَةِ الأَدماءِ

جاءَ البَشيرُ بِأَنَّها قَد أَقبَلَت…ريحٌ لَها أَرجٌ بِكُلِّ فَضاءِ

وقال في وصف النساء في قصيدة ذكر القلب ذكرة:

كَرَ القَلبُ ذُكرَةً…مِن نِساءٍ غَرائِبِ

خُدَلِ السوقِ رُجَّحٍ…ناعِماتِ الحَقائِبِ

رُبَّ لَهوٍ لَهَوتُهُ…بِجِوارٍ رَبائِبِ

الشاعر الغزلي قيس بن الملوح | الشعر العفيف (العذري)

1- مَن هو قيس بن الملوح؟

قيس بن الملوّح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة، هو من أبرز شعراء الغزل العفيف في العصر الأموي، لذلك سمّي بالشاعر الغزلي، مولود في نجد عام (645 م – 24 هـ)، وموفّى في نجد عام (688 م – 68 هـ) ^[3] . كان شاعر متيّماً من نجد، كما لقّب بمجنون ليلى، لم يكن مجنوناً بما تحمله الكلمة من معنى، بل كنّي بذلك نسبةً إلى شدّة حبّه بـ ليلى العامرية الذي هامَ بها وأبَوا أهلها أن يزوّجوها به، فأخذ إثرَ ذلك يقصّ الأشعار وينسج أجمل الكلمات بشعر الغزل العذري بكلّ عفّة وسموّ. جاءت معظم القصص والتراجم مؤكّدة أن ليلى ابنة عمّه وتربّا معاً منذ الصِبا.

2- خصائص الغزل العفيف لـ قيس بن الملوح

ابتعد قيس بن الملوّح على الوصف الجسدي للمحبوبة، كما أنه وجّه شعره إلى محبوبته الوحيدة التي لا يوجد سِواها ليلى العامرية. يتّسم شعره بالعفّة والصدق، بالإضافة إلى استخدام الألفاظ الرقيقة الجاذبة الموصوفة بالعذوبة. كما يصف في شعره كميّة الألم والحزن التي تسكنه اشتياقاً وحبّاً لـ ليلى، وذلك بشكل مباشر وواضح دون الحاجة إلى أية مقدّمات لاستخدامها. يتعمّد قيس بن الملوح في أبياته الحنين والشوق ويظهرهما بشكل دائم.

تمكّن الشاعر الغزلي قيس بن الملوّح من توظيف كلماته في اتجاه واحد ولمحبوبة واحدة وخصّها بالذكر في أشعاره كما سنجد بعض منها في كلمات قادمة. كما أنه استخدم ألفاظاً تعبّر عن مدى حنينه وذكرياته في الصِبا وأيام اللعب واللهو.

كان لقصته مع ليلى تأثيراً طاغياً في الأدب العربي، بالإضافة إلى الأدب الفارسي. ناهيك عن أنها أثّرت تأثيراً ملحوظاً في الأدبين الهندي والتركي وصولاً إلى الأدب الأردوي. على الرغم من كلّ الرفض والهجومات التي يتلقّاها من ذوي ليلى، إلّا أنه لن يتخلّى لحظةً عنها، ولن ينساها في قصائده.

3- قصائد الشاعر الغزلي قيس بن الملوح في الغزل العفيف

كما طرحنا سابقاً أن لقيس بن الملوح محبوبة وهي ليلى العامرية، وقد خصّها في أبياته الشعرية، ومن حبّه لها نسج كلماته في الغزل العذري العفيف فكتب:

تَذكَّرتُ لَيلَى والسنين الخَواليَا…وأيَّامَ لا أعدي عَلى الدَّهر عَاديا

أعِدُّ الليَالي لَيلَة بعد ليلَة…وقد عشتُ دَهرا لا أعِدّ الليَاليَا

وقال أيضاً موضّحاً عشقه وعدم تخلّي قلبه عن حبّه لـ ليلى:

ألستَ وعدتَنِي يَا قلب أنّي…إذا ما تبتُ عن لَيلَى تتوبُ

فَـهَا أنَا تائبٌ عن حُبّ ليلَى…فمَا لَكَ كُلّمَا ذُكِرت تَذوبُ

كما خطّ ونسج كلمات من حنين واشتياق بعد الفراق معبّراً عن ذلك في أبياته:

وَلَو أَنَّني إِذ حانَ وَقتُ حِمامِها…أُحَكِّمُ في عُمري لَقاسَمتُها عُمري

فَحَلَّ بِنا الفُقدانُ في ساعَةٍ مَعاً…فَمُتُّ وَلا تَدري وَماتَت وَلا أَدري

الشاعر الغزلي شاعر مرهف الإحساس، فيستخدم مشاعره لخطّ كلمات نابعة من داخله تروي حبّه وهيامه، بالإضافة إلى أن هناك أنواع لشعر الغزل تطرقنا لطرحها أعلاه تميّز كل شاعر على حِدة. نتمنى أن تكون قد تعرّفت أكثر من خلال هذا المقال على شعر الغزل عموماً الغزل الصريح والغزل العفيف وخصائصهما وأبرز الشعراء المعنية بهذا الأمر.

اقرأ أيضاً:

شعر عن الحب والعشق | لعشاق الشعر الرومنسي