أوصى ديننا الإسلام الحنيف بالجار، كما أعلى من قَدره، فله حقوق مرعية و حرمة مصونة، فما هو حق الجار التي أوصى بها دين الإسلام ؟ هذا ما سنتعرَّف عليه في مقالنا اليوم، فتابع معنا.
حق الجار
عندما يلتزم كل مسلم بحق جاره تسود روح المحبة و الألفة و التسامح، و هذا يعني النهوض بالمجتمع نحو الأفضل، فما هو حق الجار الذي يجب على كل مسلم أن يلتزم به و يؤدَّيه حق الأداء ؟
1- ألّا يتعرّض الجار لجاره بالسوء و الأذى
من حق الجار على جاره عدم التعرّض له بالسوء و الأذى، بل يدفع أيضًا عنه أي شيء قد يؤذيه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ” أنّه قال رجلٌ : يا رسول الله، إنَّ فلانة يذكَر من كثرةِ صلاتها و صيامها و صدقتِها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانِها، قال : هي في النار، قال : يا رسول الله، فإنَّ فلانة يذكر من قِلَّة صيامها و صدقتها و صلاتها و إنَّها تصدَّق بالأثوارِ من الأقِطِ و لا تؤذي جيرانها بلسانها، قال : هي في الجنة “.
شرح مفردات الحديث النبوي :
الأقِطِ : ” نوع من الجبن يعمل من لبن الإبل المخيض “.
الأثوار : ” القطع “.
و عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى لله عليه و آله و سلم، أنّه قال : ” و الله لا يؤمنُ، و الله لا يؤمنُ، و الله لا يؤمنُ، قيل : مَن يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمنُ جاره بوائقه، قالوا : يا رسول الله و ما بوائقهُ ؟ قال : شَرُّهُ “.
أمّا التأكيد على حرمة إيذاء الجار فهو تكرار القسم في الحديث النبوي الشريف، فالمسلم لا يكتمل إيمانه من يظلم و يؤذي جاره.
و فيما يلي بعض الأمور التي تسبِّب الأذى للجيران، و على المسلم ألّا يفعلها :
- تتبع عورات الجار.
- النظر إلى الجار من النافذة و هو في منزله.
- محاولة التجسس و التنصّت.
- كشف أسرار الجار.
- ذكر عيوب الجار بغرض إساءة سمعته.
- إثارة الفتنة بين الجار و بين الناس.
- التعرّض للجار بالغيبة و النميمة.
- إزعاج الجار في أوقات النوم و الراحة.
- محاولة إيذاء الجار بهدف التضييق عليه و ترك منزله.
2- أن يحسِن الجار إلى جاره
من حق الجار على جاره أن يحسِن إليه، فقد ربط دين الإسلام الحنيف بين إكرام الجار و الإيمان و الإحسان إلى الجار، حيث قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” مَن كان يؤمنُ بالله و اليومِ الآخر فليكرِم جاره “، و الجار هو الذي يجاور الإنسان في الدراسة، السكن، أو العمل، سواء أكان مسلمًا أو من غير دين الإسلام، و من هذا الحديث النبوي الشريف نجد أنّ الشريعة الإسلامية جعلت محبة الخير و العون للجار علامة من علامات إيمان المسلم.
و عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” خيرُ الأصحابِ عند الله خيرهم لصاحبه، و خير الجيران عند الله خيرهم لجاره “.
أساليب الإحسان إلى الجار
أمّا طرق الإحسان كثيرة، نذكر منها :
- إقراض الجار جاره المال في حال طلبه.
- مَدّ يد المساعدة و العون إلى الجار و لو لم يطلبها.
- تفقّد أحوال الجار.
- عيادة الجار في حال المرض.
- مشاركة الجار في أفراحه و أحزانه.
- عدم الاستطالة على الجار بالبنيان.
- اتّباع جنازة الجار.
- إسداء المشورة و النصيحة إليه.
- تقديم الطعام إليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو يوصي أبا ذرّ رضي الله تعالى عنه : ” يا أبا ذَرّ إذا طبختَ مَرَقةً، فأكثِرْ ماءها، و تعاهدْ جيرانكَ “.
- عدم إيذاء الجار بروائح الطعام.
- الستر عليه و الدعاء له.
- عدم شتم الجار أو ضربه.
- عدم إلحاق الأذى بالأغراض الشخصية للجار، مثل : محاولة تخريب سيارته.
- عدم رمي أكياس القمامة أمام منزله.
- رد السلام.
- التكلّم مع الجار بأسلوب مهذّب، لطيف و محترم.
- عدم إزعاج الجار بالأغاني و الأصوات العالية.
- عدم التعامل مع الجار بغرور و تكبّر.
- في حال حدوث مشكلة ما، فينبغي حلّها بهدوء بعيدًا عن الأذى و الشتم و التحلّي بالصبر و محاولة كظم الغيظ و الغضب.
كان يسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” يا رسول الله، ما حقّ الجار ؟ قال : إنِ استقرضك أقرضتّه، و إن استعانكَ أعنته، و إن احتاجَ أعطيته، و إن مرِض عدْتَه، و إن ماتَ تبعتَ جنازته، و إن أصابه خيرٌ سرَّك و هَنَّيْتَه، و إن أصابته مصيبةٌ ساءَتكَ و عزَّيته، و لا تؤذِه بِقُتارِ قدرِك إلّا أن تغرفَ له منها، و لا تَستَطِلّ عليه بالبِناء لتشرف عليه و تسدَّ عليه الريحَ إلّا بإذنه “.
3- السؤال عن حال الجار
حثَّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم الجار على تعاهد جيرانه و تفقّد حالهم و أحوالهم و محاولة إكرامهم بالشيء الذي يقدِر عليه، فالجار يجب أن يكون أقرب الناس إلى جاره، فعن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادّهِمْ، و تراحُمِهِم و تعاطفِهِم، مثلُ الجسدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ و الحمَّى “.
أحاديث نبوية شريفة عن حق الجار
أوصانا حبيبنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم بالجار، مثلما أوصاه الله تعالى به من خلال الوحي، حيث روت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها و أرضاها، عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال : ” ما زالَ يوصيني جبريلُ بالجارِ حتَّى ظننتُ أنّه سيورثه “.
1- حق الجار على جاره إكرامه
روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال : ” مَن كان يؤمنُ بالله و اليومِ الآخر فليكرِم جاره “، و هذا إذا دلَّ على شيء، فيدلّ على فضل الإحسان و الإكرام إلى الجار، و حسن معاملته.
2- حق الجار على جاره عدم تتبع عورته
- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” يا معشر من أسلمَ بلسانه و لم يدخِل الإيمان في قلبه، لا تؤذوا المسلمين و لا تعيروهم و لا تتبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، و من تتبع الله عورته يفضحه و لو في جوف رحله “.
3- حق الجار على جاره أن يحافظ على عرضه و ماله
- روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنّه قال: ” سألتُ، أو سئلَ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : أيُّ الذنبِ عند الله أكبر ؟ قال : أن تجعلَ لله نِدًّا و هو خَلقَكَ، قلتُ : ثم أيّ ؟ قال : ثمّ أن تقتل ولدَكَ خشية أن يطعَمَ معك، قلتُ : ثم أيّ ؟ قال : أن تزانِي بحليلةِ جاركَ، قال : و نزلتْ هذه الآية تصديقًا لقولِ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : و الذينَ لا يدعونَ مع الله إلهًا آخر و لا يقتلونَ النَّفسَ التي حرَّم الله إلّا بالحق و لا يزنونَ “.
4- حق الجار على جاره مساعدته ماديًا
روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” لا يمنعُ أحدكم جاره أن يغرزَ خشبه في جداره “، قال : ثم يقول أبو هريرة : ” ما لي أراكم عنها معرضين ؟ و الله لأرمينَ بها بين أكتافكم “.
5- حق الجار على جاره أن يحب الخير له
روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : ” و الذي نفسي بيده، لا يرمنُ عبدٌ حتى يحبُّ لجارهِ – قال أخيه – ما يحبُ لنفسه “.
6- حق الجار على جاره زيارته و تلبية دعوته
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ” حق المسلم على المسلم ستٌ، قيل : ما هنَّ يا رسول الله ؟ قال : إذا لقيتهُ فسلِّم عليه، و إذا دعاكَ فأجِبهُ، و إذا استنصحكَ فانصح له، و إذا عطسَ فحمدَ الله فسمّتهُ، و إذا مرضَ فعدْهُ، و إذا ماتَ فاتّبعهُ “.
هذه هي كانت حقوق الجار، و أهم صور عدم إيذائه و أهم طرق الإحسان إليه، فلنأخذ عهدًا على أنفسنا تأدية الحق الذي أوجبه الله تعالى و أوصانا حبيبه محمد به، ليسود السلام و التراحم و الألفة فيما بيينا و ننال خير الثواب في الدنيا و الآخرة.
اقرأ أيضًا :