“الجنة تحت أقدام الأمهات” يكفي للمتمعن بهذه العبارة أن يدرك مدى قدسية الأم و مكانتها في الفطرة الإنسانية السليمة. فالأم تعبأ بحمل طفلها وهن على وهن، ثم تغدق عليه من عطفها و لبنها حتى تقوى ساقيه، و تنذر عمرها له حتى يشتد عوده، وعليه ليس مستغرباً ما تذهب إليه كل الأديان و الثقافات و العادات الاجتماعية على اختلافها و تنوعها، بفرض طاعة الأم و برها، و لما كانت هذه العلاقة و نقصد هنا العلاقة بين الأم و طفلها سامية و فطرية و مسلم بسلامتها، فإنّ ذلك مسوغ لما يسأله البعض، هل كره الأم مرض نفسي، هذا و إنّ السؤال و على فظاظته، مشروع لكونه وارد و محتمل، لا سيما إذا ما كانت المقصودة بالسؤال لم تحمل من صفات الأم عدى الولادة. فتابع معنا المقال حتى النهاية، لتتعرف على الأسباب التي تدفع الأبناء إلى كره أمهاتهم، و في حال وقع ذلك، فهل هو دلالة على تشوه و مرض نفسي.
هل هناك مسوغ لكره الأم؟
على الرغم من كون الأم أعظم إنسانة في نظر الغالبية العظمى من البشر، بسبب ما لها من فضل على الأبناء. فهي من تحمل و تلد و تربي و تعلم و تخرج و تنذر العمر فداء لزهرة العمر أي أبناءها. و تأتي قداسة العلاقة بين الأم و ابنها أو بالعكس بين الأبن و أمه، انطلاقاً من معايير الفطرة البشرية السليمة، و مما سنته الأديان، وفرضته الأعراف المجتمعية.
و لما كان لكل فعل رد فعل، فعلى هذا المقياس نستطيع أن نقول أنّه من الطبيعي أن يقابل معروف الأم ببر الابن، و حب الأم بعاطفة الابن، و عليه من المحتمل أن يكون عن سلوك الأم المتطرف تجاه الأبناء، رد فعل يساويه أو يصل إلى حد الكره.
قد نستهجن احتمالية أن يوجد شخص يكره والدته. و هذا الاستهجان بحد ذاته، هو من يدفع بأولئك الذين يضمرون نوع من مشاعر الكره تجاه الأم، نحو التفكير بأن هل كره الأم مرض نفسي؟
لا بد لنا من الإشارة إلى أنّه ليس هناك مسوغ لعدم بر الأم. و الشاهد على ذلك ما ورد في القرآن الكريم “إن جاهدكَ على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا و اتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون”. و عليه لا يمكن لك ألا تبر أمك أو ألا تحسن إليها، و لكن هذا لا يتنافى مع احتمالية أن تضمر الكره لها (و إن لم تؤاخذ على هذا الشعور، ما دام ضمن إطار الإحساس، و لم يترجم إلى أفعال أو أقوال)، و هذا الإحساس تجاه الأم قد يكون رد فعل لما قامته من أفعال سلبية تجاهك، و إن ندر ذلك إلا أنّه موجود.
هل كره الأم مرض نفسي؟
لا يمكن اعتبار كره الأم مرض نفسي، إلا أنّه بالمقابل قد يقود إلى العديد من المشاكل النفسي، من مثل القلق المزمن و الاكتئاب و ضعف الثقة بالنفس، فضلاً عن الشعور بالذنب. و الأخير ينتج عن الصراع الذي يعيشه الشخص، بين عدم قدرته على التملص من شعور الكره تجاه أمه، وبين العار الذي يعتريه نتيجة شعوره بذلك.
هذا و لما كانت الأم بالنسبة لطفلها النافذة التي يرى منها العالم، فإنّ تعرضه لسوء المعاملة من قبلها في فترة الطفولة، من شأنه أن ينعكس على قدرته على تشكيل العلاقات في المستقبل، بسبب عدم قدرته على تصديق الحب أو العواطف التي قد تبذل لأجله، فضلاً عن اضطرابات سلوكية أخرى.
الجدير بالذكر أن كره الأم قد يكون نتيجة العديد من الأسباب التي سنأتي على ذكرها في الفقرة التالية. و قد يترأسها فكرة أن تصور الأم إنسانة خالية من العيوب، و بالتالي هذا يجعل من الشخص يضخم أي سوء يبدر منها، إلى درجة تحريك مشاعر الكره لديه، في حال تكرار التصرفات الخاطئة من قبلها.
أسباب كره الأم
كنا قد نفينا سابقاً أن يكون كره الأم مرض نفسي، إلا أنّه و رغم ذلك فإن أعراض أو نتائج هذا الكره تتشابه عند كل الذين يعانون منه. إذ أن أغلب الأشخاص الذين يشتكون كره الأم يكون لديهم:
- ضعف في الشخصية
- احتقار لذات
- لا يعولون على بناء أي علاقة تسودها الثقة مع أي أحد. لا سيما تلك العلاقات التي يحتمل أن تتطور إلى بناء أسرة
و على النقيض من توحد نتائج كره الأم عند الأفراد. تختلف الأسباب التي تودي لكره الأم، بسبب تنوع أنماط العلاقة السامة مع الأم، فلما كانت الأم إنسانة، و بالتالي فإنّه من الطبيعي أن تبدي بعض التصرفات الخاطئة نتيجة ضغوط الحياة مثلاً، إلا أن قيام الأم بالكثير من هذه التصرفات بشكل متكرر من شأنّه أن يودي إلى كره الأبن لها [1] .
1. الانتقاد المستمر
إن قيام الأم بالانتقاد السلبي المستمر لابنها، و وصولها لمرحلة تسفيه و تحقير أي جهد أو فعل يقدم عليه. من شأنّه أن يوقع الابن في حلقة مفرغة من استدرار عطفها، وبالتالي في حال لم ينجح بذلك يثار لديه تساؤل هل كره الأم مرض نفسي؟
2. السيطرة
و يكون ذلك من خلال مسخ أي مساحة شخصية للابن، و سلبه أي أحقية في أخذ القرارات اليومية منها و المصيرية.
3. تعزيز الشعور بالذنب
كأن تعمد الأم إلى توجيه الاتهام لابنها بأنه هو نفسه من يدفعها للقيام ببعض التصرفات السلبية تجاهه، و بالتالي يقع في فخ الشعور بالذنب.
4. الإهمال
لما كان الطفل بحاجة ماسة إلى الشعور بحنان الأم و عطفها، فإن انشغالها عنه بأمورها الشخصية طيلة الوقت، قد يولد لديه شعور الكره تجاهها.
5. القسوة
نجد أنّ بعض الأمهات يسلكن طريق شاذ في تربية أطفالهم، و هو يقوم على التجريح و الضرب و الإهانة على الدوام.
6. التمييز بنن الأبناء (قد يكون هذا السبب أحد أكثر العوامل التي تدفع بالشخص إلى مرض كره الأم)
7. الخيانة الزوجية
نصائح لتحسين العلاقة بين الأم و الأبناء
تعتبر علاقة الأم بابنها أقدس علاقة على وجه الأرض، و عليه حري الابن مهما بلغت درجة الكره التي يكنها تجاه والدته، بسبب افراطها بالتصرفات المغلوطة التي أوصلته إلى هذه الحالة، أن يتحرى كل الطرق التي من شأنها أن تهدأ العلاقة مع والدته، ليطرد كلياً فكرة التساؤل الذي حمله عنوان المقال هل كره الأم مرض نفسي.
و بالمقابل على الأم أيضاً أن تساعد ابنها على برها، وفيما يلي أبرز النصائح لتحسين العلاقة بين الأم و الابن [2]. :
1. الاستيعاب
يجب على الابن أن يدرك أنّه من حق والدته أيضاً أن تتعب و تتململ. فهي أيضاً عرضة مثلاً لتقلبات المزاج و ضغوط الحياة، و بالمقابل على الأم أيضاً أن تدرك أن أبناءها عرضة للكثير من التقلبات السلوكية، بسبب التغيرات الهرمونية خلال مرحلة النمو.
2. قضاء أوقات ممتعة
حري بك أن تعمل على التملص من شعور الكره نحو أمك، من خلال التصنع بحبها على أقل تقدير. و أن تخرج معها لقضاء أوقات سعيدة، بسبب أن لمثل هذ اللحظات أثر كبير في تغليب مشاعر الحب على الكره.
3. مد يد العون
في حال كنت تشكو من مرض كره الأم، فلا تتسرع بإلقاء كل اللوم عليها. فمن المحتمل أن عبأها بضغوط المنزل و الحياة عموماً، هو من جعلها تقصر في واجبة الأمومة تجاهك. لذلك بادر إلى مساعدتها في شؤون المنزل مثلاً، و التقرب منها. لكون ذلك من شأنه أن يستدر عواطفها، و بالتالي ينعكس بالإيجاب على مشاعرك أيضاً.
4. المسامحة
حاول دائماً أن تتجاوز ما تقوم به أمك من تصرفات سلبية. و ذلك من خلال التماس الأعذار، و تحلى دائماً بالصفح و التسامح.
5. تصالح مع الوضع
في حال كنت آيساً من إمكانية أن تتغير تصرفات أمك إيذائك. فحري بك أن تعقد الحداد على المشاعر التي كنت تود لو بادلتها إياك، و بالتالي تتصالح مع كون طبيعتها لن تتبدل، و تخلص من الشعور بالذنب.
اقرأ أيضاً:
مرض الاكتئاب النفسي | الأسباب والعلاج
المراجع
- ↑ Childhood Emotional Neglect | www.healthline.com
- ↑ How to Improve Your Mother-Daughter Relationship | www.psychcentral.com