التاريخ الإسلامي غني بالقصص والعبر المستمدة من آيات القرآن الكريم، القرآن الذي يعتبر مستودع العلوم ومستنبط الآداب وبحر المعرفة الذي لا ينتهي، فمن منا لم يسمع بقصة كليم الله موسى عليه السلام مع الخضر، تعتبر من قصص الإسلام البارزة كالشمّ من الرواسي الراسخة، لذلك قررنا في مقال اليوم أن نتحدث عن قصة النبي موسى والخضر لكي يتثنى لمن لا يعرف هذه القصة أن يتابعها معنا.
قصة النبي موسى والخضر
في أحد الأيام أراد النبي موسى عليه السلام أن يخطب في بني إسرائيل بعد أن نجاهم الله من فرعون. وكعادتهم بنو إسرائيل يسألون كثيراً و فسألوا سيدنا موسى عليه السلام : من هو أعلم أهل الأرض؟
فأجابهم سيدنا موسى عليه السلام بأنه هو أعلم أهل الأرض ولكنه لم ينسب الفضل لله سبحانه وتعالى فعاتبه الله وأخبره بأن هناك رجل صالح أعلم من سيدنا موسى عليه السلام في مجمع البحرين. حيث يقال أن مجمع البحرين هو مكان التقاء البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
تشوّق سيدنا موسى عليه السلام لمعرفة من يكون هذا الرجل الذي هو أعلم منه فسأل الله تعالى أن يخبره كيف يصل لهذا الرجل ؟
بداية قصة النبي موسى والخضر
أوحى له الله سبحانه وتعالى بأن يأخذ حوتاً وفي المكان الذي يُفقد فيه الحوت سيكون الرجل الصالح. فانطلق سيدنا موسى عليه السلام مصطحباً معه غلامه يوشع بن نون، ومعه الحوت المشوي الذي أعداه طعامًا لهم إلى جانب زاد السفر. ولكن غلبهما النعاس فناما عند صخرة وصلا إليها .
ولكن أثناء نوم سيدنا موسى عليه السلام وغلامه يوشع سقط الحوت في البحر، وعندما استيقظا من نومهما تابع سيدنا موسى عليه السلام وغلامه المسير من دون أن يتفقد سيدنا موسى عليه السلام الحوت. لكن الفتى يوشع كان يعلم بفقدان الحوت ولكنه لم يخبر سيدنا موسى عليه السلام.
أثناء المسير شعر سيدنا موسى عليه السلام بالجوع والتعب فطلب من غلامه الطعام، فتذكر أن يخبره بسقوط الحوت في البحر لأنه كان معدًا للطعام أثناء سفرهما عندما كانا نائمين عند الصخرة وما كان نسيان الغلام لهذا الخبر العظيم إلا من الشيطان.
كما قال الله تعالى في سورة الكهف :
(فَلَمّا جَاوَزا قال لِفتاهُ آتَنا غداءَنا لقد لقَينا مِن سَفَرِنا هذا نَصَبًا * قالَ أرَأيتَ إذ أوَينا إلى الصَخرةِ فإني نَسيتُ الحوتَ وما أَنسانيهُ إَّلا الشيطانُ أن أَذكُرَهُ واتَّخذّ سَبيلهُ في البَحرِ عَجَبًا) .
وإن تأملتم في الآية الكريمة تجدون شيء خارق للعادة : معجزة إحياء الحوت ! فكيف لسمكة مشوية أن تسقط في البحر من غير أن تتحرك؟
من هنا استنبط العلماء أنه ربما عادت الحياة إلى الحوت بعد شيّه ووثب في البحر. والله أعلم أن عادت الحياة إلى الحوت أم لا ولكن الشيء الوحيد الثابت أن الحوت اتخذ سبيله إلى البحر .
اللقاء في قصة النبي موسى والخضر
عاد سيدنا موسى عليه السلام وغلامه أدراجهما إلى الصخرة حيث كانا نائمين، فوجدا رجل هناك ومن برأيكم هذا الرجل ؟
هو الرجل الصالح الذي أخبره الله تعالى به لسيدنا موسى عليه السلام. حيث المكان الذي ضاع فيه الحوت سيلتقي سيدنا موسى عليه السلام بالرجل الصالح ألا وهو الخضر عليه السلام .
قال الله تعالى : ( فَوَجَدا عبدًا مِن عِبادِنا آتَيناه رَحمَةً مِن عِنِدنا وعَلّمناهُ من لَدُنّا عِلمَا ).
فعرفه سيدنا موسى وعرّف نفسه للرجل الصالح وأخبره بأنه أتاه ليعلّمه. فعرفه العبد الصالح وأخبر سيدنا موسى عليه السلام أن الله سبحانه وتعالى قد أطلع كل منهما على علمٍ لا يعلمه الآخر فما كانت حكمته معلومة لأحدهما لن تكون معلومة كذلك للآخر.
قال الله تعالى : ( قالَ لَهُ موسى هل أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلِّمنِ مِمّا عُلِّمتَ رُشدًا * قال إِنّك لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا * و كَيفَ تَصبِرُ على ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا ).
إلَّا أنّ سيدنا موسى عليه السلام أصرّ على أن يكون معه ويتعلم منه ولن يخالف أمره. فوافق الرجل الصالح بشرط ألا يسأل موسى عن أي شيء حتى يبين له ماهو ولماذا حدث؟
قال الله تعالى : ( قالَ سَتجِدُني إن شاءَ اللهُ صابِرًا ولا أعصي لكَ أمرًا * قال فإن اتّبَعتَني فلا تَسألني عن شيءٍ حتى أحدِث لكَ مِنهُ ذِكرًا ).
بداية المسير في قصة النبي موسى والخضر
بدأ مسير النبي موسى عليه السلام والخضر على ساحل البحر فمرّت بهما سفينة أخذوا موسى والخضر من دون أجرة ركوبهما فيها لأن أهل السفينة عرفوا الخضر.
أثناء المسير في البحر بدأ الخضر باقتلاع أحد ألواح السفينة فتفاجأ سيدنا موسى من فعل الخضر الذي ينافي الإحسان الذي قدمه لهما أهل السفينة.
قال الله تعالى : ( فانطلَقا حتى إذا ركِبا في السفينةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقتَها لتغرِقَ أهلَها لَقد جِئتَ شيئًا إمرا ).
فما كان من الخضر إلا أن ذكّره باتفاقهما فاعتذر إليه سيدنا موسى مبيّنًا أنه قد نسي ذلك .
قتل الغلام في قصة النبي موسى والخضر
ونزل النبي موسى والخضر من السفينة وتابعا سيرهما على الساحل حتى شاهد الخضر غلامًا يلعب مع أصحابه فأمسك الخضر برأس الغلام واقتلعه فقتل الغلام .
سارع موسى إلى إنكار فعل الخضر فليس له الحق في قتل النفس.
قال الله تعالى : ( قالَ أَقَتَلتَ نَفسًا زكيّة بِغَيرِ نَفسٍ لَقد جِئتَ شَيئَا نكرا ).
فما كان أيضًا إلا أن ذكره الخضر بشرطه فاعتذر سيدنا موسى وقال له إن اعترض على شيء مرة أخرى سيتركه.
إقامة الجدار في قصة النبي موسى والخضر
تابعا مسيرهما حتى وصلا إلى قرية رفض أهلها أن تستضيف عندها النبي موسى والخضر. وبينما هم يمشون رأى الخضر جدارًا مائلًا قد ينهار في أي لحظة فأقامه الخضر بيده فقال له موسى لو أنك أخذت أجر ما فعلت لكنا اشترينا طعامًا لنا.
ردّ الخضر بأن هذا موعد فراقنا لعدم صبرك وتنفيذك للشرط الذي اتفقنا عليه وبأنه سيوضّح الحكمة من الأفعال التي أنكرها موسى .
معرفة الحكمة من أحداث قصة النبي موسى والخضر
بعد أن انتهت الفرص التي أعطاها الخضر للنبي موسى فسّر الخضر الأحداث فدعونا أصدقائي القرّاء نوجزها كالتالي :
1- حدث خرق السفينة
كان هناك ملك ظالم سيمرّ به أهل السفينة ويأخذ السفن الصالحة التي ليس فيها أي عيب هكذا بلا سبب ظلمًا وعدوانًا ولذلك أحدث الخضر هذا الخرق.
2- حدث قتل الغلام
هذا الغلام لو عاش كان سيهلك والديه المؤمنين لأنه سيكون كافرًا وجاحدًا بالله فلعلّ الله أراد أن يبدلهما خيرًا منه دينًا وبرًّا.
3- حدث إقامة الجدار
الجدار الذي عدّل ميله الخضر عليه السلام كان تحنه كنز لِيَتيمَين يعيشان في المدينة اللئام أهلها.
وهذا الكنز كان ذهبًا كما قال عكرمة -رضي الله عنه- وقال ابن عباس -رضي الله عنه- كان عِلمًا.
وقال أبو ذر -رضي الله عنه- كان علمًا مكتوبًا على لوح من ذهب. وأراد الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الكنز حتى يبلغا ويشتد عودهما، وذلك بسبب الصلاح الذي كان عليه أبوهما. وفي ذلك دلالة على أن الله سبحانه وتعالى يتكفّل بحفظ ذرية العبد الصالح.
كيف عرفنا اسمه الخضر
قد تسألون أنفسكم لماذا لم يتم ذكر اسمه بشكل صريح في القرآن فكيف عرفنا اسمه الخضر؟
في الحقيقة أن سورة الكهف [1] قصّت سيدنا الخضر بشكل صريح وليس رمزًا وبدون ذكر اسمه لغرض لا يعلمه سوى الله جل وعلا، ولكن السنة النبوية الشريفة بيّنت اسمه الخضر ولأغني معلوماتكم أكثر أصدقائي أن الخضر اسمه في الديانة المسيحية هو مارجرجس. وهو مقدس جداً بالنسبة لهم.
نشأة الخضر عليه السلام
ذكر المؤرخون قصة نشأة الخضر معتمدين على روايات تاريخية مذكورة في كتبهم. حيث قالوا أن الخضر عليه السلام هو ابن ملك من الملوك وكان والده ذو سيرة حسنة بين أهل مملكته , أرسله والده إلى رجل عابد متعبد ناسك ليعلّمه ويؤدّبه .
شبّ الخضر على شمائل العبد الصالح الذي تعلّم منه الفضائل والعبادات. فنشأ الخضر منقطعًا إلى عبادة الله عز وجل منعزلاً في غرفة خاصة به في قصر والده.
سبب تسميته الخضر
رزق الله الخضر عليه السلام آية عظيمة كانت سببًا في تسميته بالخضر ألا وهي، أنه جلس ذات مرة على فروة بيضاء فاهتزت من تحته وانقلبت خضراء نضرة فسمي بهاذا الاسم.
هذه كانت أهم الأحداث في قصة النبي موسى والخضر، نتمنى أن تكونوا قد استفدتم من العبر الكامنة في هذه القصة.
المراجع
- ↑ سورة الكهف في القرآن الكريم | www.surahquran.com