لاشك عزيزي القارئ أنّك بحثت عن قصة النبي نوح عليه السلام إلّا لأنك تريد التفقه بدين الإسلام، ولتزيد من فهمك لطبيعة الإيمان، وطبيعة التسليم لأمر الله، أتمنى لك قراءة شَيّقة ومليئة بالمعلومات التي أعتبرها كنز من كنوز الإسلام.
من هو النبي نوح عليه السلام
نوح عليه السلام هو الحفيد العاشر لسيدنا آدم عليه السلام وذلك وفقًا لِما ذكره بعض المؤرِخون. اختلف المؤرِّخون في نسب نوح عليه السلام، ولكن الذي ذكره ابن كثير ومعظم مؤرخي أهل الإسلام قالوا بأنه :
نوح بن لامك بن مَتوشلح بن خنوخ، خنوخ هو نفسه النبي إدريس عليه السلام.
مولد النبي نوح عليه السلام
ذكر ابن جرير أنّ مولد النبي نوح عليه السلام كان بعد مئة وستّ وعشرين سنة من وفاة سيّدنا آدم عليه السلام، بينما نقِل عن أهل الكتاب أنّ مولده كان بعد مئة وستّ وأربعين سنة، وقد جاء في الحديث أنّ المدة التي كانت بين آدم ونوح عليهما السلام هي عشرة قرون، فقد جاء عن ابن عباس قوله:
( كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق )،
وقد تكلّم المفسّرون في مدة القرن، فقيل إنّه يساوي مئة سنة، فيكون بين آدم ونوح عليهما السلام ألف سنة.
بعثة النبي نوح
بعث الله تعالى نوحًا عليه السلام إلى قوم بنو راسب، بعد أن ظهرت فيهم الضلالات والجحود بالله والشرك به. فكان أول رسول يرسله الله تعالى إلى الناس في الأرض.
الجدير بالذكر أنّ بداية عهد قوم نوح كانت بالجحود بالله، قاموا بعبادة الأصنام وتركوا عبادة الله الواحد الأحد.
دعوة النبي نوح لقومه
بدأ النبي نوح عليه السلام بعثته بدعوة قومه إلى الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له. حيث أنذر قومه بأنّ هناك عذاب أليم لمن لم يؤمن بوحدانية الله، ذهب إليهم إلى البيوت والاجتماعات ليلًا ونهارًا، ويكلّمهم جماعات وأفراد، لمدة خمسين عامًا، لم يترك طريقة إلّا واستعملها في سبيل إيمان قومه بوحدانية الله، دعا النبي نوح عليه السلام قومه بشكل سريّ، أي فيما بينه وبينهم، وكما دعاهم عَلَنًا بصوت مرتفع، وأمَرَهُم باستغفار الله تعالى. وذكّرهم بعاقبة التائبين المستغفرين، حينما يرسل الله تعالى عليهم السماء متتابعة بالرزق الوفير،
ويرزقهم الأموال والبنين، ويصيِّر أرضَهم جناتٍ وأنهارًا، كما قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام :
( ثمَ إنّي دَعَوتُهُم جِهارًا * ثمَّ إنّي أعلنتُ لهُم وأسررتُ لهُم إسرارًا * فَقُلتُ استغفِروا رَبَكم إنهُ كان غَفَارًا * يرسلُ السماء عَليكم مِدرارًا )
إلّا أنّ قومه كانوا يفرّون منه، ويجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، بل قاموا أيضًا بتغطية أنفسهم بثيابهم.
كما قال الله تعالى على لسان النبي نوح عليه السلام واصِفًا عناد قومه على الهداية :
( قَالَ رَبِّ إنّي دعوتُ قَومي لَيلًا و نَهارًا * فَلَم يَزِدهُم دعائِي إلّا فِرارًا * وإنّي كلّما دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لهُم جَعَلوا أَصابِعَهُم في آذانِهم واستَغشَوا ثِيَابَهُم وأصَرُّوا واسَتكبَرُوا استِكبَارًا )
دعاء النبي نوح عليه السلام على قومه
عنما يأسَ نبينا نوح عليه السلام من دعوة قومه بالحسنى، ومقابلتهم له بالعناد والاستكبار والجحود، دعا عليهم أن يطبع الله على قلوبهم بضلالهم، فلا يهتدوا إلى الحقّ، ومن دعائه عليه السلام كما قال الله تعالى على لسان نبيّه :
( وَقَد أَضَلُّوا كَثيرًا وَ لا تَزِد الظّالمينَ إلّا ضَلالًا )، وقال الله تعالى : ( وَقَالَ نوحٌ رَبِّ لا تَذَرعلى الأرض مِنَ الكافرينَ دَيّارًا * إنّكَ إن تَذَرهُم يضِلوا عِبادَك و لا يَلِدوا إلّا فاجِرًا كَفَارًا )، أي ربِّ لا تترك الكافرين على هذه الأرض، لأنهم إن بَقوا، أضَلّوا الناس عن الحق والهدى والإيمان، ولا يلدون إلا الذي لا يؤمن بدينك، بل ويجحد بنعمتك ويكفر بها.
ويجب أن أذكُرَ لكم بأنّ قصة النبي نوح عليه السلام بيّنت أنّ صلة القرابة، أو النَّسب، أو حتى الرابطة الزوجية، لا تشفع لِصاحِبِها إذا أَصرَّ على الكفر بالله تعالى والإشراك به، إذ كانت امرأة النبي نوح عليه السلام تتهمه بالجنون، وكانت تعين قومها على زوجها، إلى جانب ذلك أنها لم تؤمن بدعوة زوجها إلى الحق، ولذلك هذه المرأة تستحق عذاب الله تعالى مع من كفر معها من القوم، ولم تنفعها الرابطة الزوجية مع رجل صالح في دفع العذاب عنها. فكل امرئٍ بما كسب رهين.
السفينة معجزة قصة النبي نوح عليه السلام
1- النبي نوح عليه السلام يوحى إليه بصنع السفينة
أوحى الله تعالى إلى نبيّه نوح عليه السلام ببناء سفينة ضخمة وسط الصحراء بعيدًا عن الماء، حيث جلب الأخشاب وصنع من مادتها ألواح السفينة، وثبتها بالدُسُر( المسامير ).
بدأ قوم نوح عليه السلام يستغربون من توقفه عن الدعوة، وبدأ يصنع سفينة في وسط الصحراء على الجبل، فبدأوا يسخرون منه ويقولون له :
” يا نوح صرتَ نجارًا بعد أن كنت نبيًّا “، يا نوح سَفينة على جَبَل، إنك لَمجنون “.
وقد ذكرت هذه السخرية في القرآن الكريم في سورة هود، حيث قال الله تعالى :
( وَيَصنَع الفُلكَ وكلَما مَرَّ عليه مَلأٌ من قومهِ سَخِروا منه * قالَ إنْ تَسخَروا مِنَا فإنّا نَسخَرُ مِنكُم كما تَسخَرون * فَسوفَ تَعلمونَ مَن يأتِيه عذابٌ يخزيهِ ويَحِلُّ عليهِ عذابٌ مقيم ).
2- وصف سفينة النبي نوح عليه السلام
كانت سفينة النبي نوح عليه السلام ضخمة جدًا، طولها وعرضها وعمقها تقدَّر بِذراع آدم، ليس ذراعنا نحن. حيث كان سيدنا آدم ضخم جدًا، لم تكن سفينة النبي نوح عليه السلام كباقي السفن، كانت سفينة مغطاة من الأعلى حتى لا تغرق بالمطر الذي كان يأتيها، كانت تشبه الكرة المغطاة من الأعلى والأسفل. تشبه الجبال في عظمتها وعلوها، وكانت عبارة عن ثلاثة طوابق، كل طابق له باب، ثلاثة أبواب كل باب فوق باب.
3- طوفان سفينة النبي نوح والعلامة
أعطى الله تعالى علامة لرسوله نوح عليه السلام حتى يعرف ميعاد مجيء أمر الله، ألا وهي فوران التنور الذي كان مصنوعًا من الحجارة، وهنا اختلف المفسِّرون فمنهم من قال أن التنور هو ينابيع تخرج من الأرض، ومنهم من قال أن التنور مكان صنع الخبز كما نعرفه مكان النار، حيث كان يملك النبي نوح تنورًا في بيته.
فأوحى الله تعالى إلى نوح عندما يرى هذه العلامة. فليحمل أهله والمؤمنين وكل زوج من الدواب يعيش على الأرض، أي كل زوجين اثنين، كل حيٍّ ذكرٍ كان أم أنثى.
وفعلًا جاء اليوم الذي رأى فيه علامة التنور، فهرع إلى السفينة التي بناها على الجبل بعيدًا عن الناس، وإذ به يرى حيوانات الأرض قد اصطفَّت حول السفينة تنتظر الأمر بالركوب، من كل زوجين اثنين أتى بها الله سبحانه وتعالى بأمره واصطفَت حول السفينة للركوب، وركب نوح عليه السلام في السفينة، وبدأ يحمل البهائم والحيوانات والطيور ويوزعها في السفينة. فلما ركبوا بالسفينة جاء أمر الله بفتح أبواب السماء والأرض.
يقول الله تعالى : ( فَفَتَحنا أبوابَ السّماء بِماءٍ منهَمِر وفَجرنا الأرض عيونًا فالتقى المَاء على أمرٍ قد قدِر )،
كل الأرض انتشرت فيه العيون، حتى التقت الماء التي انهمَرَت من السماء مع الماء الذي نبَعَ من الأرض، وكل هذه الكمية من الماء محسوبة ومقدَّرة تقديرًا حكيمًا من الله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى أنّ زوجة نوح وابنه ممّن تَخَلَّف عن ركوب السفينة، بسبب كفرهم وعصيانهم لرسولهم.
حيث دعا النبي نوح عليه السلام ابنه إلى ركوب السفينة قبل أن تبحر في المياه. وكانت دعوته لابنه، لعدم يقينه من أن يكون أحد الكافرين الذين كتب الله عليهم الغرق في الطوفان، وكان يأمل من ابنه أن يلحق نفسه بالمؤمنين ويتراجع عن عناده واستكباره على الحق، إلّا أنّهُ رفض الاستجابة لنداء أبيه، فانضم لِقافلة الكافرين الذين لم يلحقوا بنوح ظانَين أنهم سينجون من الطوفان.
4- عقوبة قوم النبي نوح عليه السلام
عاقب الله تعالى قوم النبي نوح عليه السلام الذين كفروا بالغرق بالطوفان، بسبب خطاياهم، ثم عقوبة النار في الآخرة. وبعد أن نجّى الله نوحًا من معه، استوت سفينته على جبل الجودي، وهو جبل في الجزيرة كما قال المجاهد.
الختام
ولكل شيء نهاية، بدأت رسالة النبي نوح عليه السلام وستنتهي، انتهت قصته مع قومه الذين لم يؤمن منهم إلا القليل. لنستشف بشكل واضح حقيقة الإخلاص التام لله سبحانه وتعالى من قبل الرسل، وتتجلى هذه الفضيلة في عبوديتهم لله.
اقرأ أيضاً: